جلس امامنا بسنينه الثمانية والثمانين شامخا يرتدي بدلة رجالية راقية كما تعود ان يرتديها ايام كان معلما في مدارس كربلاء وتوج رأسه بالسدارة التي كانت عنوانا للزي الرجالي في العقود الماضية، وجمع بين التجارة والتعليم وكان ناجحا فيهما وتخرج من تحت يديه المئات من الطلبة الذي اصبحوا في وظائف مرموقة ومهن تبني البلاد، وعاصر كل العهود الماضية في الدولة العراقية، فهو دخل الى المدرسة وتخرج منها واصبح معلما في العهد الملكي ثم عاصر العهد الجمهوري والعارفي بشقية والبعثي بشقيه ليحال على التقاعد بعد مسيرة زاخرة بالعطاء.
العهد الملكي
نوري محمد علي مهدي جلوخان من مواليد 1934 ويعد من اقدم معلمي محافظة كربلاء المقدسة، يسرد قصته لوكالة نون الخبرية، بقوله "دخلت في العهد الملكي طالبا في مدرسة السبط الابتدائية في منطقة باب الطاق في شارع صاحب الزمان في اربعينيات القرن الماضي وكان من معلمي هذه المدرسة الاساتذة نعمان وكاظم الطباطبائي وعلي زيني وعلي طعمة ومهدي البناء، ثم انتقلت الى الدراسة في متوسطة المنارة لمدة ثلاثة سنوات وتخرجت منها في نهاية العقد الاربعيني وكان من معلميها زكي الدده ومعلمين اثنين من مصر احدهما اسمه بدوي ومدرس من الكاظمية، اما في الدراسة الاعدادية فكانت محافظة كربلاء تفتقد الى وجود مدرسة اعدادية وكان الطلبة يضطرون لاكمال الدراسة اما في بغداد او بابل، وفي سنة تخرجنا افتتحت اعدادية كربلاء وكانت حينها تنتهي عند الصف الخامس الاعدادي، واتذكر من اساتذتي نوري اصلان ورضا مرتضى وهادي وصاحب فرهود مدرسي اللغتين الانكليزية والعربية".
تاجر ومعلم
ويتابع بالقول، "اما في الاعدادية فكان هناك قرار في العهد الملكي ينص على ان من ينهي الدراسة الاعدادية يعفى من الخدمة العسكرية، فتخرجت عام 1955 وقررت ان ادخل لمجال التجارة فافتتحت اسواق جملة للعطارية في حي الحسين، وفي احد الايام مر علي احد اصدقائي ويعمل مسؤول الذاتية في مديرية المعارف (التربية) وابلغني ان خريجي الاعدادية سيشملون بالتجنيد وتكون مدة خدمتهم ستة اشهر، فوقعت في احراج شديد لاني انفقت اموالا كثيرة في افتتاح تجارتي، وبعد مدة عاد نفس الشخص فابلغني ان هناك دورة لاعداد وتخريج المعلمين ومن يلتحق بها يعفى من التجنيد، فالتحقت بها لمدة سنة واحدة وتخرجت معلما عام 1956 وكان الخريجون يعينون في القرى والارياف بالمحافظات الوسطى، وتعينت في مدرسة حبيب بن مظاهر الاسدي بمنطقة (الاوبيتر) الواقعة على طريق بغداد القديم قرب منطقة الطف والقنطرة البيضاء، وباشرت يوم 14 تشرين الاول من العام 1957 في العهد الملكي، وتوجد هناك (مقهى عداوي) يجتمع فيها المعلمين لينطلقوا الى المدرسة في بساتين عبد الحسين كمونة بطرق ترابية ونذهب لها بالصعود خلف الطلاب الذين يملكون درجات هوائية، وكان مديرها قاسم فتحي، ثم نقلت الى مدرسة ابراهيم المجاب في منطقة الوند وكان مديرها يوسف عبد الله متفق مع سائقي باص مصلحة نقل الركاب بالانطلاق من مكان معين بوقت محدد قبل بداية الدوام وبعد انتهائه لنقل المعلمين من والى كربلاء في الولاية، باجره قدرها 50 فلسا".
العهد الجمهوري
يضحك جلو خان وهو يتذكر انه اصبح معلما لمادة الاجتماعيات بالرغم من انها ليست من اختصاصه، ويقول "كنت احضر المادة التي اريد تدريسها اكثر مما يقرأها طلابي مما جعل طلابي يحققون نتائج متفوقة، وفي العطلة الصيفية للعام 1958 حصلت ثورة عبد الكريم قاسم وبدأ العهد الجمهوري، وجاء امر بنقلي للعمل كمحاسب في التعليم الثانوي وكنت مسؤولا عن قوائم رواتب المدرسين في النجف الاشرف التي كانت تتبع اداريا الى محافظة كربلاء المقدسة وكانت فيها تقريبا خمس مدارس فقط ومثلها في كربلاء واثر هذا الامر على تجارتي كون دوامي على مدار السنة، فراجعت مدير المعارف محمد السماوي واعادني الى التعليم وبعد عام واحد باشرت في مدرسة المخيم عام 1959 وكان مديرها عبد الرسول الهاشمي واستمريت بالتدريس بها لحين تقاعدي في العام 1982 وقد عاصرت حكم الملكية وعبد الكريم قاسم وعبد السلام وعبد الرحمن عارف والبكر وصدام".
التميز والمهنية
ويذكر حادثة مهمة بقوله، "لما تميزنا بجهودنا التدريسية طلب منا وضع اسئلة امتحانية للبكلوريا واختيرت اسئلتي في مادة العلوم للبكلوريا، وأتممت مدة 23 سنة في التعليم، وكانت المدارس قديما مبانيها صغيرة ومحددة ومبنية بطريقة العكادة بالطابوق والشيلمان، والمدرسين والمعلمين يحرصون كثيرا على الظهور باناقة وكانوا يرتدون البدلة الرجالية ولهم هيبة ومنزلة محترمة في المجتمع وعدد الطلبة المقرر في الصف الواحد 24 طالبا وفيه 12 مقعد دراسي وقد يصل الى ثلاثين وللمدرس والمعلم هيبة في نفوس الطلاب وذويهم وكذلك لمدير المدرسة هيبة في نفوس الملاك التدريسي، وقد درست المئات من اهالي كربلاء لكن الذاكرة لا تسعفني واصبح الكثير منهم اساتذة واطباء وضباط ورياضيين، بل كان احدهم طالبا لي واصبح مديرا للمدرسة التي ادرس بها وكان من عائلة تنتمي الى حزب البعث حينها".
وراثة التدريس
درّس جلو خان ثلاثة من ابنائه وكانوا متفوقين في الدراسة وتخرجوا من كليات مرموقة ولكن ولده السيد حيدر اصبح استاذاً جامعياً، ويقول في حديث لوكالة نون الخبرية، "كان والدي مربي لي ولاخوتي عن طريقين ابا ومعلما وبالذات معلم الابتدائية الذي يمتاز اكثر من صفات مدرسي باقي المراحل الدراسية، وكنا نتعايش معه في المحل والدراسة لمدة ستة سنوات وكنت اخشاه اكثر في المدرسة لانه يعاملنا بشدة اكثر من الطلبة الباقين وزرع فينا كثير من الامور نتائجها هو ما نحن عليه الان، وتمكنت من التخرج من كلية الهندسة قسم الالكترونيك وثم التحقت مدرسا لمادة الحاسوب بالمعهد التقني الذي اسس حديثا في كربلاء بعد الالتحاق بدورات تدريبية في المركز القومي للحاسبات وافتتحت اول مكتبا مجازا لتعليم الحاسبات ويمنح شهادة معترف بها، وبقيت لمدة عشر سنوات محاضرا فقط رغم اني اصبحت رئيسا لقسم الحاسبات في المدارس المهنية عام 2001 بسبب توصيات اجهزة الامن بعدم تعييني كون هناك تشابه بالاسم بين عائلتنا وعائلة الشهيد المعارض حسين جلو خان الذي اعدمه النظام المباد عام 1975، اما اخوتي فاستطاع اخي فاضل ان يحصل على شهادة البكلوريوس في الهندسة ومن ثم حصل على شهادة الماجستير واخي امير تخرج من كلية الطب واختي خريجة كلية الصيدلة، مشيرا الى ان "ابنته حققت معدلا عاليا في البكلوريا يجعلها تحصل على مقعد في احدى الكليات الطبية او الهندسية لكنها اصرت على الدخول الى كلية التربية لتصبح مدرسة على خطى جدها وابيها".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- بدعم كامل من العتبة الحسينية المقدسة اجراء (1701) عملية جراحية خاصة ضمن برنامج الاستقدام والاخلاء الطبي
- عشيرة قدمت (100) شهيد :عائلة لبنانية تروي قصة استشهاد ولدها "محـمد" المتميز منذ طفولته
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب