بقلم: د. نعمه العبادي
يتذكر جيلنا ومن سبقنا، ان العطلة المدرسة الصيفية لها وقع واثر في حياة الطالب والمعلم والاسرة والمجتمع، وتضبط الكثير من التوقيتات على حسبها خصوصا فيما يتعلق بالسفر والعمل وامور اخرى.
كان الفصل الدراسي (اي السنة الدراسية)، تتخللها عطلتان، الاولى عطلة نصف السنة، والتي تأتي بعد نهاية امتحانات نصف السنة في شهر كانون الثاني ومدتها (٢١) يوماً، والثانية وهي الاهم عطلة آخر السنة التي تمتد ثلاثة اشهر وعشرة ايام، تبدأ من نهاية امتحانات الصفوف المنتهية في نهاية الشهر السادس وتنتهي في اول الشهر العاشر حيث بداية السنة الدراسية، إذ يتمتع بهذه العطلة جميع الطلبة والمعلمين والمدرسين، وحتى الطلبة الذين لديهم بكالوريا في العام القادم، يأخذون قسطهم من الراحة خلال العطلة، ومن النادر جداً، ان يتلقى طالب خلال العطلة دروساً خاصة او اضافية او حتى يطالع المواد الدراسية مسبقاً.
كان العام الدراسي الذي يمتد من بداية الشهر العاشر وحتى نهاية الشهر الخامس من السنة اللاحقة كافياً ووافياً لإكمال المناهج الدراسية بما فيها طلبة البكالوريا من خلال المدرسة الحكومية ومدرسيها على الرغم من حجم الكتب الدراسية، فكتاب الحيوان او الكيمياء او التفاضل والتكامل والهندسة او كتاب التاريخ للمرحلة الاعدادية ربما صفحاته تعادل جميع صفحات كتب الطالب الدارس في الاعدادية اليوم، ومع ذلك، تنهى المناهج في وقت نظامي بلا ملازم ولا دروس اضافية إلا ما ندر، ويحصل طلبة الاعدادية على شهر استراحة للمطالعة والاستعداد قبل الامتحانات، فالجميع ينهي مواده في آخر شهر نيسان، وقد درس وامتحن الطالب ثلاثة امتحانات شهرية ومعدلها الفصل الاول، وامتحان بكل المادة في نصف السنة، ثم ثلاثة امتحانات شهرية جديدة للفصل الثاني، ويكون معدل السعي هو الفيصل في دخول الامتحان البكالوريا، ويقوم الكثير من المدرسين الجادين بإمتحانات شاملة تجريبية في كل المواد نهاية شهر نيسان.
كنا في السنة الدراسية نأخذ درس الفنية والرسم وإن لم يكن مشمول بالبكالوريا، وندخل درس الرياضة، ونلعب في ساحة المدرسة، ونخرج سفرات مدرسية خصوصا في شهر آذار، ومع كل هذا، يتم اكمال المواد الدراسية بلا ملازم ولا دروس خاصة ولا اضافية، ونحمل في كل يوم حقيبة دراسية كبيرة فيها خمسة كتب منهجية ودفاترها ومستلزماتها، ومن النادر ان يسمح للطالب ان يدخل الحصة الدراسية دون ان يكون معه كتاب المادة ودفترها، وقد كنا نكتب الانشاء، ونقرأه على الصف فردا فردا، ونحل كل اسئلة المناهج بما فيها اسئلة الانكليزي وقصة التاجر والبندقية، ونتلقى واجباً بيتياً للتحضير والحلول، فالمدرس يسأل ويطالب بالتحضير والحل، وقد يطرد الطالب غير المحضر خارج الدرس، لذلك كانت حياة الطالب خصوصا في مرحلة البكالوريا واضحة، فحالما يعود إلى البيت ويتناول وجبة الطعام، ويرتاح قليلا، يعود لكتبه وتحضيره وواجباته بلا موبايل ولا سهرات وكروبات ولا سوالف تعبانة.
كانت مديريات التربية ومن خلال الاشراف، تطالب مدرس المادة بخطة تفصيلية لكل يوم دراسي، بحيث يعرف المشرف، ان المدرس لابد ان يكون بلغ الصفحة كذا في المادة في يوم كذا، ويحاسبه على التقصير.
مدرسة بإمكانات متواضعة، وبعدد مناسب من التدريسيين، وبإعداد كبيرة من الطلبة، تدرس كل الاسبوع من السبت وحتى آخر الخميس، وكل ساعات الدوام، وتنهي مناهجها الدراسية، وتمتحن وتحاسب وتفعل كل ما يتطلبه نجاح الطالب، والامر يدور مثل ساعة بكبن بدون تأخر.
وفي ظل هذا النظام الدراسي، يلتزم الطالب واسرته تجاه مدرسة واحدة، ووضع واحد، وسنة معروفة البداية والنهاية، ويستمتعون بعطلتين واضحتي البداية والنهاية، فمن النادر ان يعيد الطالب اكثر من سنتين دراسيتين في صف واحد، ولا يوجد غير دور ثاني واضح التوقيت والاجراءات.
كانت النتائج لها قيمة وقدر، فالكثير من الطلبة حصلوا على معدل دون السبعين خصوصا في الفرع الادبي، وتم قبلوهم في كليات التربية والاداب والادارة والاقتصاد، ومنهم من عوض ذلك واجتهد، واكمل دراسته العليا واصبح استاذا كبيرا، وكان درجة التسعين لها هيبة وقدر، ويترتب عليها مستقبل جيد للطالب، ألا تتذكرون، ان معظم المعلمين الذين درسونا في الابتدائية هم خريجو دار المعلمين، وهي ثلاثة سنوات دراسية متخصصة بعد السادس الابتدائي، اي ما يعادل الثالث المتوسط، ولاحقا اصبحت بعد الثالث متوسط، اي ما يعادل السادس الاعدادي، فلكم تصور مستوى طالب الثالث متوسط او السادس الاعدادي اليوم، ومستوى معلم الامس الذي خرج اجيال من الكفاءات.
رياض اطفال خاصة، وابتدائية ومتوسطة واعدادية خاصة، وملازم بلا كتب منهجية، وكروبات وتجمعات، ومحن ومآسي، وخصوصي خلال العطل، وركض بالليل والنهار، وملايين الدنانير، والنتيجة فشل مخجل، واعادة لخمس سنوات في صف واحد، وتنافس على معهد بين اصحاب درجة التسعين، وضياع للعطلة الدراسية، ولكل مظاهر الحياة الدراسية.
هذا النص يصرخ بإفتجاع بين يدي كل المعنيين بالتربية، وبين يدي المدرسين الذين اصبحوا تجارا، والمدارس التي صارت مجرد منظم لبطاقة الامتحان، والوثيقة الدراسية، ان يستفيقوا، ويستعيدوا ذكريات هذا البلد العظيم، وان نشاهد (حلة المدارس)، والعطلة المدرسية، والدراسة على اصولها، فلا اعظم من تضييع رصيدنا البشري.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!