- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جوهر أدبيات الشعائر الحسينية يستلزم المراعاة
بقلم: حسن كاظم الفتال
منذ أن أبصرنا النور نحن أبناء هذه المدينة المقدسة مدينة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وجدنا أنفسنا مجبولين بسبب فطرتنا السليمة على ممارسة الشعائر الحسينية بل ساقتنا هذه الفطرة بنقائها وصفائها إلى الذوبان والإنغماس بشدة والتفاعل في عالم الشعائر الحسينية العظيمة المباركة وليس ذلك علينا بغريب إذ قد ورثناه إرثاً شرعيا من أسلافنا من الآباء والأجداد الحسينيين الذين اتخذوا ذلك منهجا لهم وورثوه ممن سبقهم واختصوا به في إقامة المجالس الحسينية وممارسة الشعائر بجزئياتها ومفاصلها .
وهذا ما جعلنا ندرك تمام الإدراك أن إقامة هذه الشعائر وممارستها هي من ابرز مظاهر إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام وهي السبيل إلى معرفة محاسن كلامهم واتباعهم.
وكذلك أدركنا أن ثمة أدبيات تستلزمها ممارسة هذه الشعائر وثوابت وأساسيات وتستدعي آدابا كما هي آداب الزيارة وقراءة الأدعية وبعض المناجاة .
ولعل من أقدم وأبرز واعم هذه الشعائر بعد إقامة المجالس الحسينية شعيرة اللطم. وهي تتحدد بمحددات معينة فرضها الواقع. إذ أنها تتعلق بمسألة إبراز الواقع المأساوي الحزين والجانب العاطفي بالقضية الحسينية وهذا مما يجعل عملية اللطم على الصدور تتلازم مع الحزن وهي مبرز من مبرزات الحزن أو إعلان له إذ تتلى قصيدة تبين مضامينها ما حلَّ بالإمام الحسين صلوات الله عليه في واقعة الطف من أسى وألم وحيف ومظلومية مما يدعو أن تحتشد الصدور الحزن على أبي عبد الله الحسين عليه السلام .وتجري هذه الممارسة بعيدا عن الحديث بالسياسة وما يتعلق بتفاصيلها أو طرح بعض المواضيع العامة التي تخص جوانب معينة من جوانب الحياة أو ما يتعلق من مضامين ومفاهيم في القضية الحسينية فتلك أمور تطرح عن طريق قصائد ما تسمى بـ ( الگعده ) والتي تقرأ من قبل الرادود أثناء جلوس الموكب. تلك القصائد التي للأسف ساهم في إهمالها وعدم التعاطي معها بعض الإخوة الرواديد والكبار منهم بالخصوص وربما ليس تعمدا بل سهوا او تغافلا او نسيانا.
لذا نقول إن شعيرة اللطم تبدأ بترديد نداء ( آ يحسين ومصابه) وكانت قبل ذلك ( ويلي على المظلوم ) وإن نداء ( آ يحسين ومصابه ) هو مفتاح أو إيذان لإيقاد جذوة اللوعة والتهيئة لإعلان الحزن والأسى والمواساة على استشهاد الإمام الحسين صلوات الله عليه. وكذلك إعلان الولاء المطلق لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وهذه الممارسة نتعاطى معها بصيغة معينة دون إطلاق أصوات الصراخ أو أبداء حركات معينة إلا اللطم بطريقة منسقة متساويه بصمت وخشوع.
ولعل مصداق ذلك غالبا ما كنا نسمع أو حتى من خلال التسجيلات للرواديد الرواد رحمهم الله سواء في محافظة كربلاء المقدسة أو محافظة النجف الأشرف أو المناطق الأخرى نسمع من الرواديد أحيانا عبارة ( بلا حجي ) او (بلا كلام ) او ( اقطع الكلام ) أي أدي اللطم وانت صامت خاشع باستماعك للقصيدة الحسينية. وافهم ما يتلى من خلال طرح مضامين القصيدة دون إطلاق الصرخات التي لا جدوى من إطلاقها بل أحيانا تبدو وكأنها تهريج ولمجرد ترويج للرادود.
وحين ندعو إلى الحفاظ على الموروث الحسيني وشعيرة اللطم منها بالأخص ينبري لنا من يدعي الحداثة ومسايرة تطور الزمن وغير ذلك .أو ربما بحجة جذب الشباب هذه الحجة او العذر الواهي وهي أشبه (بالإسطوانة المشروخة).
ويبدو أن بعضنا لا يدرك ما كان يدركه الرواد الحسينيون ويعتقد أن لابد من إجراء التغييرات على هذه الأدبيات والأساسيات ويعتقد أن مرور الزمن يستدعي التطور ومواكبة المسيرة الحضارية.
بينما ان الكثير من القرائن تثبت عكس ذلك وتشير إلى ان لا علاقة بين مرور الزمن وما يدعي او يزعم الداعون إلى الحداثة والتحديث أو ما يسمونه بذلك.
فنقول : بما أن الهيكلية والشكلية وعناصر الممارسة هي نفسها المنبر والرادود واللطامة وأجهزة الصوت ذاتها والباحات نفسها فلابد أن تكون الآلية والصيغ وطرق الأداء هي نفسها.
ونحن لم نكن نلمس اي تجديد أو تحديث أو كل ما يتعلق بالحداثة مما يظنه أو يدعيه البعض في التمظهر أو أساليب الطرح . فإن تغيير الألحان وما يسميه الرادود الأوزان أو الأطوار وإدخال آلات موسيقية أو جمل موسيقية أو ابتكار إيقاعات سريعة فهذا لا يعد نهوضا أو تقدما وتطويرا . بل يحسبه البعض بأنه تحريف أو سعي للإنحراف عن المسار الحقيقي لظاهرة الشعائر الحسينية التي هي من أجَل وأقدس الظواهر الحسينية.
لقد كان المعنيون بشأن الأدب الحسيني أو بما يرتبط بالقضية الحسينية يضعون بعض المحددات ويشترطون اعتماد المعايير وثمة حدود أو خطوط تعد حمراء لا يسمح بتجاوزها.
فالرادود كان يفرض على المتلقين الإستماع للقصيدة بإنصات تام ولا ننسى أحيانا حتى مسألة رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله كان لها أوانها لا تردد لا أثناء مسيرة الموكب ولا اثناء الإستماع للقصيدة أو أثناء اللطم إلا في موارد معينة.
كان الرادود خصوصا في مدينة كربلاء المقدسة لا يحبذ رفع الأيادي والتلويح والإيماء بها بل يشدد أحيانا على عدم العمل بهذه الظاهرة . إذ لعلها تذهب الهيبة التي تجسدها جلسة الموكب المتمثل بالوقار.
ليس عيبا أن تحتفظ كل شعوب العالم بمعالم تراثها بل تعتز به غاية الإعتزاز. خصوصا تلك الموروثات التي لها علقة مباشرة بالعقيدة وتعد مظهرا من مظاهر إبراز الهوية . وهذا ما يحتم علينا أن نعتصم غاية الاعتصام بحبل الله المتين وذلك ما يمكن أن نعدهُ جزءً من مصداق تمسكنا بجوهر هويتنا العقائدية ولعل ذلك يتم من خلال إبراز الجانب الروحي العميق في تعاطينا مع القضية الحسينية بالحفاظ التام وبشدة بموروثنا الحسيني الحقيقي دون أن تجرفنا التيارات لا الشخصية ولا الجماعية ولا تسوقنا بغفلة غافل الأهواء الفردية.
والله نسأل أن يوفق الجميع لذلك ويعيننا على ننتخب المسار الصحيح الذي به نقتفي أثر آل بيت الرسالة صلوات الله عليهم اقتفاءً حقيقا بما يوصلنا إلى الصراط المستقيم ومنه إلى النجاة.
أقرأ ايضاً
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- النوايا الحسنة للعتبة الحسينية المقدسة
- الرسالة المحمدية تتألق في القضية الحسينية