- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المجلس الحسيني مدرسة تربوية روحية - الجزء الثالث
بقلم: حسن كاظم الفتال
((( بسم الله الرحمن الرحيم )))
(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ) ـ الذاريات /29)
أعود مرة أخرى لأعرج بالغور في سبر أجلِ وأقدس شعيرة من الشعائر الحسينية ألا وهي شعيرة اللطم على الصدور.
جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه أنه قال : (وَقَدْ شَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَلَطَمْنَ الْخُدُودَ الْفَاطِمِيَّاتُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السَّلام وعَلَى مِثْلِهِ تُلْطَمُ الْخُدُودُ وَتُشَقُّ الْجُيُوبُ).
هوية ودلالات موروثة
حين نود أن نشرع إلى تعريف شعيرة اللطم على الصدور لعل أبسط وأيسر تعريف أو توصيفٍ له بأنه مصداق بالغ من مصاديق إظهار الحب الصادق لسيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه وكذلك الإعلان عن مدى الفاجعة التي اصابتنا من عظم مصيبته صلوات الله عليه.
وهي أي شعيرة اللطم ردة فعل مشروعة أمام قوة الفعل نفسه وهو مظلومية الإمام الحسين صلوات الله عليه . وكذلك تعد تعبيرا عفويا صادقا عن شدة وقوة وعمق الحزن الذي تلتهب به الصدور بسبب فاجعة استشهاد سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وريحانته سيد الشهداء الإمام الحسين صلوات الله عليه وقد تكون ممارسة اللطم على الصدور أحيانا وسيلة من وسائل ترويح النفس وتفريغ ما يحتشد من ألم وحرارة في عمق النفوس بسبب الفاجعة التي حلت بها يوم عاشوراء في طف كربلاء . وليس بعيدا أن يكون اللطم تعبيرا أو صورة من صور الثورة ضد الظلم والطغيان. وهي كذلك تمثل بيان الترابط المعنوي في نهضة الإمام الحسين صلوات الله عليه بين الجانب الثوري والمعنوي والعقائدي من جهة وبين والجانب الإنساني المأساوي العاطفي الروحي من جهة أخرى.
والكل اقر بإباحة اللطم على الصدور كان أم على الخدود مسندا بقول الإمام صلوات الله عليه بما تقدم . ولعله أبرز عاملٍ من عوامل تعظيم الشعائر الحسينية.
وحين يحسبه البعض أنه نمطٌ من أنماط الجزع في المصيبة فيبين مشروعيته وجواز ممارسته الدستور الذي وضعه الإمام الصادق صلوات الله عليه حين قال : (إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء والجزع على الحسين صلوات الله عليه فإنه فيه مأجور).
لذا نلاحظ أن القصائد التي كانت تتلى في المواكب أو المجالس الحسينية من قبل الرواديد الرواد في اللطميات تختلف بمضامينها ومفرداتها كثيرا عما تتضمنه قصيدة ( الگعدة ) والتي تحدثنا عنها من قبل. فينبغي أن تحمل القصيدة اللطمية مفردات تقدح زند الحرقة المتقدة في النفس وتخلص الصدور من الحسرات وتلهب المشاعر وتجسد صور المواقف المؤلمة والمحزنة المأساوية التي خلفتها معركة الطف وجسدت مصيبة الإمام الحسين صلوات الله عليه، كذلك أن عملية ممارسة اللطم تعد أبرز عنصر من عناصر المواساة وتقديم المواثيق وتصديقها وإعلان الموالاة لآل بيت النبوة صلوات الله عليهم.
ولا غرابة حين نجد المجتمعات اتخذتها تصريحا أو علامة فارقة تميز هويتها العقائدية ثم جعلتها ملمحا من ملامح التراث الحسيني.
وحين تكون هكذا فإنها تُعَد ملكا للجميع ولا يحق لأحد ان يحرف مسار توهجاتها واشعاعاتها والعبث بها كأرثٍ مجتمعي عقائدي.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول