- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اللامبالاة ... سلوك يؤدي الى تدمير المجتمع العراقي على نار هادئة
بقلم: د. عبد المطلب محمد
دار الحديث في مقالة سابقة عن العنف وهنا يتم الحديث عن اللامبالاة حيث ان استمرار الحياة بشكلها الطبيعي تستدعي أحيانا تجاهل بعض التصرفات وبعض الافعال وبعض الاشخاص وذلك لتجنب الشحناء والبغضاء الا ان مقابلة كل ما يجري في العراق باللامبالاة, من احداث سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وتجاوز على حقوق المواطن وانتشار الفساد بمختلف انواعه وتمجيد الافكار المنحرفة والشاذة وفسح المجال أمام التدخل الاجنبي في الشؤون العراقية, يمثل موقفا سلبيا للتعامل مع الاحداث الوطنية وهروبا من مواجهة الواقع وكارثة وطنية سيدفع ثمنها الجميع عاجلا أم أجلا.
ويرى علم النفس عدم المبالاة بانها حالة نفسية وسلوكية يتصرف من خلالها الانسان بعدم الاهتمام وفقدان التفاعل الايجابي مع ما يحدث في شؤون حياته الخاصة والعامة وبما يدور حوله من أحداث عامة مختلفة قد تكون لها تداعيات سلبية على حياته كمواطن له حقوق وعليه واجبات في بيان مواطن الخلل والفساد في ادارة الامور السياسية والاقتصادية والامنية والصحية والثقافية والعمل بما يستطيع لاصلاح الاخطاء التي تعتريها.
وتأتي حالة اللامبالاة نتيجة عوامل ضاغطة عديدة يعيشها الفرد من ضمنها الشعور بالعجز وقسوة الحياة وعدم القدرة على القيام بفعل شيء فاعل وخشيه من الفشل اذا ما حاول القيام بفعل أمام ما يراه ويعيشه الانسان من ظلم وفساد ومعاناة تكاد تكون يومية. كما تأتي اللامبالاة نتيجة ما يعيشه الانسان من أحداث مثقلة بالحزن والالم والتدمير والجور مما يدفع الانسان لمحاولة نسيان ما يحدث والابتعاد عنه لشعوره بعدم القدرة على تغيير الواقع المعاش. وقد تأتي اللامبالاة نتيجة الشعور بالضعف وانعدام الثقة بالنفس والشعور بالخيبة وعدم القدرة على مواجهة التحديات مما يدفع الانسان الى الابتعاد عن دائرة الفعل والتأثير والدخول في دائرة اليأس والقنوط وفقدان الرغبة على الحركة الفاعلة والتأثير على مجريات الامور.
ان ما يعيشه الفرد العراقي ويراه ويسمعه يوميا من فساد اداري وسياسي وتخلف علمي واقتصادي وصناعي وزراعي وفكري في أكثر من جانب وتسلط طبقة سياسية لا يهمها غير مصالحها ولو على حساب مصلحة الوطن وتدخل المحتل والدول الاقليمية في شؤونه الداخلية يجعله هدفا سهلا لحالة الشعور باليأس وعدم القدرة على تغيير الواقع الذي يعيشه والقبول أو على الاقل عدم الاعتراض على كل ما يدور حوله. فمواقف الاحزاب والمحاصصة السياسية وتسلط عدد من الفاسدين على مقدرات الشعب سرقت من الفرد العراقي احلامه وتطلعاته وقتلت مشاريعه الحاضرة والمستقبلية ولم تترك له فرصة التعبير عما يدور بداخله وأصابت باليأس القدرة على الحركة وتغيير الواقع السيء وحل المشكلات.
ونتيجة لهذا الشعور بالاحباط والعجز وعدم القدرة على التغيير ومحاولة لنسيان الواقع والهروب منه اضحت اللامبالاة جزء من الاستراتيجية التي يتبعها الفرد لنسيان الحاضر ومشاكله المختلفة كما اصبح شرب المسكرات وتعاطي المخدرات والانتحار هي ردة الفعل السلبية التي يختارها عدد من الافراد. ويحاول العديد من الشباب الجامعي والخريجين الهجرة وترك الوطن للبحث عن ضروف حياتية افضل في مكان اخر هربا من مما يجري في العراق وعدم قدرتهم على ايجاد موطيء قدم لهم داخل المجتمع يمكنهم من تحقيق احلامهم ومشاريعهم المستقبلية.
لقد اعلنت مفوضية حقوق الانسان في العراق بأن اعداد الموقوفين والمحكومين في قضايا تجارة وتعاطي المخدرات لعام 2018 بلغ (9328) قضية في حين سجل عام 2019 (6407) قضية. أما في عام 2020 فبلغ عدد الموقوفين والمحكومين في قضايا تجارة وتعاطي المخدرات (4594) ما عدا المحافظات الشمالية وهذا منذ بداية العام ولغاية 1/9/2020 (نقلا عن موقع سكاي برس ليوم 16/9/2020). وبلغ عدد المتعاطين للمخدرات من الرجال والنساء والاحداث (1832) متعاطي عام 2018 وازداد العدد في العام 2019 ليبلغ (3475) متعاطي (التقرير السنوي عن أوضاع حقوق الانسان في العراق (عدا اقليم كردستان) لعام 2019) والذي نشر عام 2020.
ان الشعور باللامبالاة وتجاهل الواقع هو موت بطيء لافراد المجتمع وسلوك يؤدي الى ضياع الوطن وعدم محاسبة الفاسدين والخارجين عن القانون وانتشار الظلم والافكار المنحرفة والبقاء مسيرين لا فاعلين, مقودين لا قائدين. حيث سعت دولة الاحتلال ومنذ دخولها ارض الرافدين الى تغييب الوعي والقضاء عليه وصياغة ونشر الافكار المضلة والرذيلة والفاحشة وفرض الامر الواقع واستعمال القوة لاجبار المقابل للاذعان لمخططاتها وذلك من اجل الهيمنة على مقدرات العراق وصياغة مصيره بما يخدم مصالحها وكان لعدم المبالاة دور مهم في امرار هذا المخطط وتنفيذه على ارض الواقع مما جعل من العراق وأهله دمية يتلاعبون بها كيفما شاؤا.
ومن هنا فأن الخروج من حالة الصمت واللامبالاة نحو الفعل والكشف والوقوف بحزم أمام المخططات الجهنمية التي تحاك في الظلام في أقبية الدوائر الاجنبية والاقليمية والتي اوصلت المجتمع العراقي الى هذا الواقع المزري قد تكون هي الخطوة الاولى في طريق العودة للذات وتصحيح الاوضاع والسير بها على الطريق الصحيح والى الاهتمام بقضايا المجتمع وصناعة مستقبله.
وأما بخصوص الفرد اللامبالي فينبغي ان يكون محط انظار وأهتمام المحيطين به والمقربين منه وضرورة اشراكه في ممارسة الانشطة الاجتماعية والرياضية وتشجيعه ونشر الحماس في نفسه والاهتمام بمهاراته حتى الصغيرة منها وابداء الاهتمام بها لتنمية روح الثقة والايمان بقدراته الذاتية والنفسية وابعاده عن التكاسل والخمول والانعزال ففي كل فرد هنالك نقاط قوة ينبغي تطويرها ونقاط ضعف يجب معالجتها.
ان التعرف على ودراسة حياة ونشاط وتضحيات أئمة الهدى وعظماء ومفكري الامة الاسلامية والذين لعبوا دورا مهما في تغيير التأريخ ونشر الوعي والافكار البناءة ومقارعة الظلم والفساد والطغاة اضافة الى مصاحبة الاشخاص الايجابيين والداعين الى الاجتهاد والعمل والتفاؤل والاستماع للاراء الايجابية دور مهم في بث روح النشاط والحركة في الفرد والحث على المشاركة والاهتمام بما يدور حوله والخروج شيئا فشيئا عن حالة الشعور باللامبالاة ليكون عضوا فاعلا في تغيير المجتمع نحو الافضل.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري