بقلم: هادي جلو مرعي
قيمة الأشياء الحقيقية لاتعرف إلا حين نفتقدها، ونعود نتمناها مجددا، وقد لانحصل عليها ثانية مثل ماء تبدى على الأرض. فلاأمل في أن يعود الى هيئته قبل أن يختلط بالتراب، ويتحول الى طين.
الأختبار الجدي في الحياة لايقتصر على الفرد، بل هو جزء من حياة الجماعة البشرية، وقد تفشل فيه، فحين تندلع الحروب، وتنتشر الأوبئة والأمراض، وحين يعم الفقر، وتتهاوى الأمم يصاب الجميع بالصدمة، وليس الأفراد، وربما تعاش المحنة ذاتها بشكلين. واحد عند الفرد، والثاني عند الجماعة. ومثلما يعاني الفرد من المتاعب، ويحاول التخلص من الأعباء، فكذلك الجماعة التي تحتاج الى المزيد من الجهد والعناء لتخرج من المحنة التي هي جزء من متطلبات الحياة. فلاراحة في الدنيا، ولامناص من عذاباتها، وبلاءاتها، سواء تلك التي تقع من فوق دون توقع، أو تلك التي يتسبب بها الناس أنفسهم، فيحيلون حياتهم الى جحيم إختياري.
لاأدري إن كان ما أفكر فيه صحيحا، أم لا؟ فالحياة البسيطة، والعمل المضني، وكسب العيش، والبحث عن فرص، والتواصل اليومي مع كم المشاكل والمصاعب يتحول الى جنة لم نكن ملتفتين لها على وفق معادلة: من رأى الموت رضي بالسخونة والحمى.. لنتذكر حياتنا البسيطة قبل وباء كورونا، تلك الحياة التي كانت عبارة عن تذمر، وتشكي، وعدم رضا، وبحث عن الفرص، وعناء في طلب العيش، وتحصيل الرزق، والجد في الدراسة على أمل الوصول الى مستوى من الأهلية يميزنا عن نظرائنا الذين نعدهم منافسين لنا، وكنا في الغالب نعاني، وغير قانعين بما في أيدينا، وربما تمردنا على كل شيء، ولم نلتفت الى روعة تلك الحياة الجميلة إلا بعد ان مرت الأسابيع المملة والرتيبة، ونحن محاصرون في بيوتنا نخاف المرض والموت، ونخشى العدوى، فلانلتقي بأحد، ونهرب من بعضنا، وكأننا أعداء.
هذه هي الحقيقة، فصاحب البسطية الذي كان متذمرا ويرى أنه دون الآخرين يحلم بالعودة الى ذات المكان عسى أن يجد بعض المال ليعيل أسرته، وسائق سيارة الأجرة يتمنى لو أنه يعود الى جنة الشارع، وزحام المرور، وصياح الناس، ومناكفة الركاب الذين ينتقلون من مكان الى آخر، وحتى بائع الشاي على ناصية الشارع، أو جوار مطعم يتمنى لو يعود الى مكان عمله، ويستمتع بطلبات الزبائن المتكررة وقد أصبحت تلك الأماني أمنيات.
كل ماكان يغيظنا ويخيفنا ويزعجنا قبل كورونا لاشيء مقارنة بمانعيشه اليوم في ظل الوباء، فنحن نتمنى الإستمرار في الحياة، وتجنب المرض والموت، ونحلم بعودة تلك الأيام الخوالي التي تشبه حياة الجنة، وكأننا سرقنا التفاحة، وصرنا ندفع الثمن وهو الخروج من الجنة.