أحمد الجنديل
القادة العظام يواصلون الليل بالنهار من أجل أن تكون الحياة شجرة مثقلة غصونها بالثمار، والرجال الكبار لا يَحلمون كثيراً، فهم مشغولون في تغيير الدنيا، وصياغتها من جديد، ودفعها إلى الأمام، وإذا ما حلموا، فانّ أحلامهم ستكون ناصعة البياض، مترعة بالخير، ومشرقة بالأمل.
وأحلام الرجال الكبار، تخرج من نافذة المنهج الواضح، والتحليل الصائب لكل ما يحدث، والمرسوم بدقة لخلق حياة آمنة مستقرة، ودفع الوطن نحو مرافئ التقدم والازدهار.
وفارق كبير بين كابوس أسود ثقيل، وحلم وردي جميل، الكوابيس من صناعة الأشرار الذين يتسللون من ثقوب الليل، ليزرعوا كوابيسهم في وضح النهار، وهم يعرفون أن زرعهم لا يمنح غير العواصف والأعاصير، وبين حلم يترعرع بين أحضان النهار فيورق أمناً وسلاماً للجميع.
في العراق، وعلى مر تاريخه الطويل، صراع دموي طاحن، بين من يؤمن بالحلم من أجل الإنسان، وبين من يؤمن بالكابوس الذي يمهد له طريق الشر لسرقة أموال الفقراء، والعبث بمقدراتهم، والضحك على ذقونهم، من أجل أن يفوز بلعنة الله عليه، وغضب شعبه، وأن يبصم التاريخ على صفحته بصمة الخزي والعار.
ولأنّ أصحاب الكوابيس، لا يعرفون من الحياة غير قشورها، ولا يملكون رصيداً غير الشر والرذيلة، ولا يفرقون بين الارتقاء والدناءة، فهم عادة ما يقفزون إلى سطح الأحداث عن طريق الصدفة أو التخادم فيما بينهم، فإذا ما نجح أحدهم في السياسة فلابدّ أن يجره منصبه السياسي إلى الثروة والجاه، مستعيناً بكل أساليب الغش والخداع لتحقيق مآربه، وإذا ما أخفق في السياسة ونجح في كسبه الحرام، فلابدّ أن يعود إلى عالم السياسة عن طريق الثروة الكبيرة التي حصل عليها من خلال السطو على رغيف الفقراء.
علاقة من نوع غريب بين المال والسياسة، السياسي لابدّ أن يكون ثرياً، والثري الكبير لابدّ أن يحشر أنفه في السياسة، وما بين هذا وذاك، تخرج طبقة أفضل ما يقال عنها، انها طبقة طفيلية، تنمو دائماً في حاضنات المقربين من أهل السياسي أو صاحب النفوذ المالي، ويشتد عودها بين الأهل والأقارب وأفراد العشيرة لكل منهما، ومع هذا الانكسار في المعادلة، تبقى الشعوب في خانات التهميش والإهمال، فتموت الكفاءة، وتذبح الآمال، ويبتلع الإحباط أحلام الأبرياء من الذين يتطلعون إلى غد مشرق سعيد، وتفرغ البلاد إلا من أصحاب الكوابيس السود، وهم يسرحون ويمرحون دون أن يحاسبهم أحد.
وصراع من نوع خطير كهذا ليس وليد اليوم أو الأمس القريب وانما هو امتداد لعصور سحيقة ولمجتمعات عديدة، صراع بين كوابيس ترعرعت بين دهاليز الظلام والتخلف، وبين أحلام رضعت بريقها من وهج السماء، هذا الصراع سيبقى قائماً حتى مجيء اليوم، التي تنتصر فيه أحلام الكبار على كوابيس الصغار .
إلى اللقاء
أقرأ ايضاً
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الثاني والاخير
- هل جامعاتنا ورش لبناء المستقبل أم ساحات تعج بالمشاكل؟ - الجزء الاول
- المجلس.. بين رؤية وحقيقة في إبعاد المستقبل