- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف تعمل سوق النفط العالمية ما بين +OPEC و COVID 19
بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
"نيسان أقسى الشهور" .. يقول آليوت في قصيدته "الأرض الخراب" .
المفارقة هو انّ "نيسان" هذا ، هو أقسى شهور السوق النفطيّة (خاصةً) ، والإقتصاد العالمي (عامّةً) ، منذُ عقودٍ كثيرة.
كيف ؟
ما حدث في سوق النفط العالمية في الأسابيع الأخيرة هو الآتي:
- إنتاج النفط (من أوبك وخارجها) ، كان أكبر من الطلب على النفط ، ممّا أدّى إلى فائض في العرض (أو تُخمة في المعروض).
- لم يتمّ التوصل إلى إتفاق بين السعوديّة (وهي أكبر منتِج ومُصدّر للنفط في أوبك)، ومع روسيا (وهي أكبر منتِج ومُصدّر للنفط خارج أوبك) على مقدار خفض الإنتاج (وعلى حصّة كل منهما من هذا التخفيض).
- قامتْ السعودية برفع الإنتاج من أقل من 10 مليون برميل يومياً، إلى 13 مليون برميل يوميا . وفعلت دول أخرى داخل أوبك الشيء ذاته (ومنها الإمارات) .. فدخلت الدول المنتجة الأساسية في حرب سعريّة شرسة ، وأنهارَت الأسعار.
- دول أخرى داخل أوبك وخارجها (ومنها العراق) منحت علاوات (أو خصومات سعرية على سعر البيع السائد) للحفاظ على حصّتها في السوق.. فأنهارت الأسعار أكثر.
- لماذا حدث ذلك ؟. حدث ذلك لأنّ الأمر لا يتعلّق بالسعر فقط ، بل (وهو الأهمّ) بتقاسُم حُصص الأسواق. فروسيا لديها حُصّة ، والسعودية كذلك ، ولا تُريدُ إحداهما أنْ تخسر حصّتها من السوق بسبب خفض الإنتاج . وهنا سيتمّ القبول بالبيع بأيّ سعر مهما كان مُنخَفِضاً ، وتعويض الخسائر مُستقبلاً عند ارتفاع الأسعار. أمّا اذا خسرت هذه الدول الأسواق (مهما كان السعر مرتفعاً)، فإنّ الخسائر المستقبليّة في سوق النفط العالمية ستكونُ فادحةً جداً ، ولا يمكنُ تحملّها ، أو تَقُبّلها ، أو تعويضها لاحقاً.
- تزامن كلّ ذلك مع جائحة COVID 19 ، وتَراجُع وتيرة النمو الإقتصادي في مختلف دول العالم .. فتراجع الطلب العالمي على النفط (الأحفوري - التقليدي) أكثر، وتزايدت تخمة المعروض أكثر من ذي قبل، وأنهارت الأسعار أكثر فأكثر.
- تِبعاً لذلك إنهارت أسعار النفط الصخري (المُنتج الرئيس هو الولايات المتحدة الأمريكية) ، والنفط الرملي (المُنتج الرئيس هو كندا).. وأنهارت أسعار الغاز الطبيعي .. وانهارت أسعار مصادر الطاقة البديلة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية).
- يذهب فائض المعروض إلى التخزين عادةً، ليقلّل ذلك من تخمة المعروض. ومع إنخفاض أسعار النفط ، سارعت الكثير من الدول (وبالذات الدول المُستهلِكة الرئيسة) إلى التخزين. وهكذا بدأت طاقة التخزين (عالميّا) توشك على النفاد ، ولم يعد بإمكانها استيعاب الفائض في المعروض.. فأنخفضت الأسعار أكثر.
- أين نذهب بالفائض النفطي إذاً ؟ نذهب به إلى استخدامات صناعية أخرى تعتمد مصادر طاقة أخرى غير النفط ، للإستفادة من إنخفاض الأسعار. ولكن هذه الإستخدامات تراجعتْ هي الأخرى بسبب التأثيرات السلبية لـ COVID 19 على الإقتصاد العالمي .. ويعمل ذلك ، وبحدّة، على تكريس إنخفاض الأسعار.
- تتوقع منظمة الطاقة الدولية أن ينخفِض الطلب العالمي على النفط بمقدار 30 مليون برميل يومياً في نيسان/ أبريل 2020 ، وانخفاض الطلب على النفط بمقدار 20% خلال العام 2020 ، ليكون بذلك "نيسان أقسى الشهور" (كما قال آليوت في قصيدته الأرض الخراب) .. ويكون عام 2020 ، هو أسوأ عام بالنسبة للطلب العالمي على النفط ، وأسوأ أعوام الصناعة النفطية خلال العقود الأخيرة.
- ما هو الحَلّ ؟ يوم غد الإثنين 6-4-2020 ، ستجتمع دول أوبك ، مع دول من خارج أوبك OPEC+ .. ويجب عليهم التوصّل إلى اتفاق"صعب" حول تخفيض الإنتاج بمقدار لا يقلّ عن 10 مليون برميل يوميّاً ، وإعادة تقاسم حصصهم في سوق النفط العالمية على وفق ذلك.
- إذا تمّ الإتفاق على ذلك ، سترتفع أسعار النفط على الفور إلى 40 دولار للبرميل. وإذا تراجعت جائحة COVID 19 ، بعد ذلك ، سترتفع الأسعار إلى 45 (وربّما 50) دولار للبرميل (كمعدل سعري مقبول ومتوازن).
- إذا لم يتّفقوا على ذلك سينخفض سعر النفط إلى أقل من 15 دولار للبرميل .. ولا أعتقد أنّهم سينتحرون (تقريباً) بعدم اتفاقهم على تخفيض الإنتاج .. ولا أعتقد أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتركهم يجرّونها معهم إلى الهاوية.. وقد بدأت "دبلوماسيّة" ، أو سياسة "قرص الأذن" تأتي أُكُلها ، ولاحَ احمرارها الواضح على أُذني السعودية وروسيا ، في الأيام القليلة الماضية.
- الولايات المتّحدة الأمريكية (وهي الدولة القائدة للنظام الرأسمالي العالمي القائم) ، ستقبلُ بهامشٍ من "الركود" في الإقتصاد العالمي ، بفعل العوامل الحاكمة الآن .. ولكنّها لن تقبل أبداً بـأن يدخل الإقتصاد العالمي مرحلة "الكساد" .. لأن هذا سيعني نهاية هيمنتها الإقتصادية والسياسية على العالم.
شيءٌ من "الركود" .. نعم .. وهذا ماهو حاصل .. أمّا الكساد .. فلا ...
ودون ذلك سيكونُ كلّ شيءٍ وارِداً في الحسبان ، بما في ذلك حربٌ عالميّةٌ "ثالثة" ،تُعيد خلطَ الأوراق ، وترتيبها من جديد.
- أين نحنُ من كُلّ ذلك ؟؟
نحنُ لا شيء.
لا شيء.