بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
نحنُ العراقيّونَ أقَلُّ الشعوبِ "إصابةً" بالدهشة.
تهطُلُ علينا الأمطارُ خفيفةً ، مرّتينِ في العام ، فنغرَقُ ، لأنّنا نكتَشِفُ أنّ لا مجاري لدينا .. ولا نُصابُ بالدهشة.
تأتي الرياحُ مُحمّلةً بالغبار ، فنكتَشِفُ أنّ نصفنا مُصابٌ بالربو .. ولا نُصابُ بالدهشة.
يذهبُ المُصابونَ بالربو إلى المستشفيات ، فنكتشفُ أنّ لا أوكسجينَ في المستشفيات .. ولا نُصابُ بالدهشة.
نُصابُ بـ "كورونا" ، فنموت ، لأنّنا نكتَشِفُ أنّ لا أسِرّةَ كافيةً في المستشفيات.. ولا نُصابُ بالدهشة.
يأتي الشتاءُ ، فنشعرُ بالبرد ، ونكتَشِفُ أنّ لا "نفطَ أبيضَ" لدينا .. ولا نُصابُ بالدهشة.
يأتي الصيفُ ، فنشعرُ بالحَرّ ، ونكتَشِفُ أنّ لا كهرباء لدينا .. ولا نُصابُ بالدهشة.
نحرِقُ الغازَ الذي لدينا ، ونكتَشِفُ أنّ "الاخرينَ" لا يَحْرِقونَ الغازَ الذي لديهم ، فنستورِدُهُ منهم .. ولا نُصابُ بالدهشة.
تنخفضُ مناسيبُ دجلة والفرات ، ونكتشِفُ أنّ سدودنا قليلةً ، و نكادُ نموتُ من العطش .. ولا نُصابُ بالدهشة.
يغيبُ رئيسُ الوزراء "طَوْعِيّاً ، لنكتَشِفَ أنّهُ لا يغيب .. لأنّهُ يظهَرُ أثناء الغياب، مُرتَدياً "كمّامة" الحضور .. ثُمّ يُعاودُ الغيابَ ، ثُمّ يظهرُ .. ولا نُصابُ بالدهشة.
يستقيلُ رئيسُ الوزراء ، فنكتَشِفُ أنّ لا أحد يصلَحُ ليكونَ رئيساً للوزراء بدلاً عنه ، من بين 40 مليون عراقي ، 20 مليوناً منهم (على الأقلّ) يحملون شهادة الدكتوراه .. ولا نُصابُ بالدهشة.
تحتَلُّ "داعشَ" ثُلثَ العراق ، فنكتَشِفُ أنّ لا جيش لدينا .. ولا نُصابُ بالدهشة.
تنخَفِضُ أسعارُ خام برنت ، فنكتَشِفُ أنّ لا عائداتَ لدينا، عدا ايرادات النفط .. ولا نُصابُ بالدهشة.
تسرَحُ الحيتانُ الكبارُ بيننا ، وتمرَح ، ونكتَشِفُ أنّنا لا نستطيعُ إصطيادَ حوتِ واحدٍ منها لإطعامِ الجياع .. بينما الجياعُ يُطاردونَ السردين ، وصغارَ "الزوري" .. ولا نُصابُ بالدهشة.
نُنفِقُ 1000 مليار دولار ، و نكتَشِفُ أنّ لا شيءَ يَتّسِعُ لدينا غيرُ المزابل والمقابر .. ولا نُصابُ بالدهشة.
نحنُ نموت .. نموتُ كثيراً .. ونَكتَشِفُ أنّنا نموتُ بلا سبَبٍ معقول .. ولا نُصابُ بالدهشة.
كُلُّ هذهِ الأشياءَ إكتَشَفناها .. دونَ دهشة.
ولكن .. أنْ نموتَ أخيراً ، ونكتَشِفُ أنّنا قد لا نَجِدُ قبراً لنُدفَنَ فيه .. فهذا هو الأمرُ الوحيد .. الذي يبعَثُ على الدهشة.