واثق الجابري
أُزيل الحديث النبوي الشريف "إنما بُعثت معلماً" بأصباغ من تلك التي تستخدم في كتابة عبارات إغلاق المؤسسات والمدارس، من عصابة مكافحة الدوام، ويعتبرون إغلاقها بأمر الشعب، وخط فوق قول الرسول الكريم (ص):" وقال كوكو: من يداوم باع الوطن" ويليها بعبارة "انذار أخير"!!
لم يعد الحديث النبوي واضحاً على جدار المدرسة، وعلى المدرسين والطلاب وأولياء الأمور العمل بتوصيات كوكو، وأمام أنظار القوات الأمنية، أحتراماً وتنفيذاً لأمر كوكو الناشط.
ثمة من يراقب ويرى وتيرة الأحتجاجات، ويشعر باللانهاية، وكل يوم يقطع شارع هنا وتغلق مدرسة هناك، وتهاجم جامعة أو مستشفى أهلي أو صيدلية، وقراءات مجتزأة للأحداث، كل يراها بعين العاطفة والميول، وعين لا ترى إلاّ مصالح تتحق في طرق متناقضة، ودون سؤال هل ما يحدث له علاقة بالتظاهرات، أم أنها أعمال منظمة لحرق المؤسسات وتعطيل الحياة العامة؟
لعب الإعلام دوراً سلبياً خلال هذه الفترة، وبذريعة حق التظاهر؛ نقل تقارير بحيادية، بدأ ينشر عدد الشوارع التي قطعت بالإطارات، وعدد المدارس و المحال التجارية المحروقة، وكأنه عمل طبيعي يجوز ممارسته في التظاهرات، مع ذكر كل من يسقط في هذه المواقع، كرقم يضاف الى أرقام الضحايا، دون أن يذكر مكان الحادث، وصوراً تُشَبَّهُ بإنها إنتهاكات، دون ذكر ما سبقها من صور، ربما في معظمها تجاوز على القوات الأمنية، أو مهاجمة المال العام والخاص.
الجماهير هي الجماهير، لا علاقة لها بتصرف العقل الجمعي، بالدين والعرق، وفي معظم الأحوال تخضع لأكثر ولأعلى الأصوات وأكثرها تطرفاً، وقد تتعامل مع اللحظة إذا توفرت لها الظروف التاريخية، فأما أن تنفجر وتدمر، أو تضحي بنفسها بكل سخاء، وفي أيّ من الحالتين يعتبر فعله خدمة لقضية كُبرى، وبدل الصوت الذي يأتي من المجموع، أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي مجتمعاً بذاته يستطيع تحريك الجماهير، وتتلاعب أدواته المخيفة الخطرة في كل شاردة وواردة، وقليل من المجتمع يبحث عن مصداقية المصدر، وبعضهم يتبنى أو يصدق ما ينشر، لمتبنيات مواقف مسبقة، أو تمنيات لحدوث ما يُريد.
لعب الإعلام دوراً مهماً في رسم مجريات ما يجري في التظاهرات العراقية، ولكنه عزز الإنقسام ووسع الهوة بين أفراد المجتمع، فالمؤدلج يسعى لتحقيق مشاريع يعتقدها هي الأصح، وبعض المشاريع تخريبية أو خاضعة لإرادات سياسية أو تدخلات خارجية، أما المحايد فعظمه وقع بنفس الفخ الذي يؤسس للخوف ونزعة التمرد، وقد نشر مقاطع عنف يمارسها الخارجون عن القانون، وكأنه ساخر وساخط لتلك المشاهد، ولكنه مارس دور الناقل والناشر، لسياسة طويلة الأمد، تحاول زرع التمرد، ونزع مفاهيم القيم الأخلاقية من المجتمع.
قد لا يعلم كوكو أن الكتابة على المدارس، جزء من تخريب يطال المجتمع، ويفسد أهم مؤسسة بناء في المجتمعات، وأيضاً لا يعرف شاب آخر ماذا مكتوب على لافتة يرفعها، ولا تلك الفتاة، أو لا يعلمون أن التظاهر لا يعني قطع الشوارع ومهاجمة القوات الأمنية، وأنهم يسيؤون للتظاهر قبل الإساءة للحكومة، وأن هذه الأفعال تهدم كيان وقيم الدولة، ولا علاقة لها بالإصلاح المنشود، وأن الشعوب عندما تؤسس للبناء، فلابد لها أن تبني على قواعد قيمها وحضارتها، كوكو أصبح متهوراً وهو لا يعلم أنه محروم وفرد من مجتمع له حقوق يشعر بضياعها، وعليه واجبات يجب إحترامها.