عباس الصباغ *
منذ التغيير النيساني المزلزل كانت عدة محطات خطيرة مرّ بها الشعب العراقي وقف فيها الامام السيستاني (مدَّ ظله الوارف) منقذا له بعد ان كاد العراق ينزلق في متاهاتها ويتلاشى كدولة ومرتكزات حضارية وشعب جريح كاد ينزلق هو الاخر في مهاوي حرب اهلية طاحنة لاتبقي ولاتذر ولاكثر من مرة، ولايبقى العراق بعدها سوى اطلال للذكرى فقط، كان ذلك سواء إبان سقوط النظام الصدامي العفلقي البائد او غداة التغيير النيساني الذي كاد يتحول الى حرب اهلية بين الشيعة والسُنة بعد الاتهام الذي وجّه للسنة بانهم كانوا عماد حكومة صدام حسين البوليسية ومرورا بازمة صيغة تشكيل الحكومة الانتقالية التي رفضها رفضا قاطعا لانها تكرّس الانقسام الطائفي / العرقي / الاثني في العراق وعروجا على ازمة النجف الاشرف التي كادت تحرق مرقد امير المؤمنين (ع) والنجف الاشرف عاصمة التشيع في العالم فطرد باشارة منه جميع الفصائل المتناحرة قرب المرقد الشريف رغم انه كان في صحة غير جيدة انذاك ، وبازمة كتابة الدستور لسحب البساط من تحت اقدام المحتل ولالغاء حجة استمرار بقائه في العراق، فضلا عن ازمة اول انتخابات ديمقراطية خاضها العراقيون لاول مرة في تاريخهم بمباركة ونصيحة من سماحته دام ظله، ومرورا على الازمة الخطيرة التي رافقت تفجير مرقد الامامين العسكريين (ع) وماصاحب ذلك من تداعيات طائفية خطيرة فانقذ البلاد والعباد من حرب اهلية طائفية طاحنة بحكمته ورصانة توجيهاته السديدة ، واخيرا وليس اخرا الازمة الكبرى والعظمى حين داهم داعش العراق واحتلّ حوالي ثلث مساحته في غضون ايام معدودات فاطلق الامام السيستاني فتواه الشهيرة بوجوب الدفاع الكفائي لمن يستطيع حمل السلاح ليتأسس الحشد الشعبي المبارك وليكون ظهيرا للقوات الامنية وليس بديلا عنها بعد ان ادرك ببصيرته الثاقبة ان القوات الامنية لاتمتلك الجهوزية الكاملة لصد الهجمة الداعشية المغولية الصفراء وان هذه الهجمة لن تكون حدودها المناطق التي احتلتها فقط كالموصل وغيرها بل هي هجمة ذات امتدادات دولية واقليمية هدفها اسقاط العراق ومحو مذهب اهل البيت (ع) من الوجود ولن تتوقف عند حدود العراق فكان الامر كما اراد (دام ظله الشريف) الى ان تحقق النصر بعد ان تلاحمت جميع شرائح النسيج المجتمعي العراقي تحت لوائه (دام ظله)، وهو اول مرجع ديني يصف الطائفة الاخرى بانهم انفسنا (لاتقولوا السُنة اخواننا فالسُنة انفسنا) والفرق اللغوي كبير في التعبير بين الاخ والنفس.
وخلال الازمة الاخيرة التي المّت بالمشهد العراقي من جديد وبعد ان خرجت بعض مفاصل التظاهرات السلمية والمكفولة دستوريا والمطالبة بالاصلاح الشمولي عن مساراتها المرسومة لها وقف (دام ظله) مع المتظاهرين قلبا وقالبا ورافضا جميع المعالجات الحكومية للمتظاهرين وخاصة وسيلة العنف المفرط بالقوة تجاه اناس ابرياء وعزل كل ذنبهم انهم طالبوا بحقوقهم بطريقة حضارية ومهذبة الا ان بعض المدسوسين والمندسين من حاملي الاجندات التخريبية والمرتبطين بمخابرات اقليمية وحتى دولية شوّهوا صورة تلك التظاهرات السلمية وحرفوا بوصلتها الحضارية من خلال ممارسة اعمال الحرق والنهب والسلب والقتل ، الا ان سماحته (دام ظله) وقف لهؤلاء في جميع بياناته التي صدرت عن مكتبه رافضا لها ومطالبا ابناءه المتظاهرين بتمييز صفوفهم عن هؤلاء ونبذهم وتسليمهم الى الجهات المعنية لتتخذ الاجراء المناسب معهم.
بحكمة هذا الرجل السبعيني الذي انهكه المرض والقلق على شعب العراق، والذي مازال يسكن بيتا متواضعا ومؤجرا منذ عقود في زقاق نجفي بائس رافضا جميع العروض التي كانت تنهال عليه من اجل تمليكه البيت فهو دام ظله كان دائما يلوّح الى انه لايطمح من العراق سوى ارض يكون فيها قبره أدامه الله .
بحكمة هذا الرجل ذي الشيبة الوقورة والمباركة احتمى العراق ولاذ العراقيون وعبروا صعابا عديدة وكان ولم يزل على مسافة واحدة من جميع الوان الطيف العراقي دون تمييز ولم تكن تلك التوجيهات موّجهة الى مقلديه الشيعة وهو اكبر مرجع شيعي في العالم بل ونائب الامام المعصوم (عج).
وصفوه بالساكت وهو ابلغ المتكلمين واصدقهم
سموه بالعاجز ومازال العالم بأجمعه ترنو ابصارهم صوب النجف ونحو الزقاق العتيق الذي يقطن فيه ليسمع مايصدر من مكتبه الشريف من توجيهات وارشادات الى ابنائه العراقيين....
ولم يغالِ من هزج وقال:
الملعب للسستاني الملعب
انه عصر السيستاني.
*كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- تحية من الأعماق للسيستاني العظيم
- احتفالية الملعب ، بين المقدس والقانون والاخلاق ..
- "لو ألعب لو أخرّب الملعب"...عاشت المعارضة