- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التدخلات الخارجية في العراق هاجس قلق عند السيد السيستاني !
بقلم: نجاح بيعي
أن موضوع (التدخلات الخارجية) الإقليمية والدولية في الشأن العراقي الداخلي, شكل ولا يزال يُشكل هاجسا ً مُقلقا ً للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف. لما له من مخاطر عدّة على إستقلال وسيادة وأمن العراق.
لأنها تهدف بالدرجة الأساس الى تقديم منافع ومصالح تلك الدول على منافع ومصالح الشعب والوطن. لذا فهي كانت ولا تزال سببا ً في وجود (مخططات) تهدف الى تقسيم البلد وتحويله الى دويلات متناحرة, كما كانت سببا ً في عدم استقلال الأحزاب السياسية المشتركة في العملية السياسية بسبب تمويلها (الخارجي) ومن ثم مصادرة قرارها وعدم استقلاليتها, وكانت سببا ً أيضا ً في وصول العراق الى هذه(الأوضاع المزرية التي تنذر بخطرٍ جسيم), وسببا ً في ظهور وتواجد تنظيمات إرهابية على أرض الوطن كتنظيم (القاعدة) وتنظيمات عصابات (داعش), وسببا ً في ظهور ونمو (الظاهرة الداعشية) المٌدمرة التي أدت إلى(مزيدٍ من الدمار ووقوع أفدح الخسائر وأعظم الأضرار في الأرواح والممتلكات) في العراق, وسببا ً في خرق مبدأيّ (التوازن والإعتدال) في العلاقات والسياسات الإقليمية والدولية في المنطقة, وسببا ً في عدم تثبيت قيم التعايش السلمي ورعاية الحقوق وتوفير الأمن والإستقرار لشعب العراق فضلا ً عن شعوب المنطقة والقائمة تطول.
لهذا.. طالما حذّرت المرجعية العليا (الجميع) سواء الطبقة السياسية أو الشعب العراقي من هذا الخطر الوبيل. ولكن لا مُجيب لتحذيراتها ولا مُعتبر. بل ذهب الجميع نحو اللامبالاة, بل راحت بعض الأطراف السياسية والإجتماعية وبلا وازع خوف يتبجحون ويُعلنون جهارا ً نهارا ً بأن ولائهم لهذه الجهة (الخارجية) كما غيرهم يُعلن بأن ولائه لتلك الجهة (الخارجية) وأنهم يتلقون دعما ً من هذا البلد (الخارجي)كما غيره يتلقى دعما ً من ذاك البلد (الخارجي)بلا إستحياء ٍ أو خجل. حتى كانت الأجندات والتدخلات الخارجية في العراق شأنها شأن الفساد المستشري في مفاصل الدولة (قدر مقدور) على جميع العراقيين, تحركها أجندات و(إرادات خارجية), بشكل تتجاوز بها لصوصية الطبقة السياسية وصراعهم وتنافسهم اللاشريف فيما بينهم من أجل المكاسب الحزبية والسياسية والمناطقية وغيرها وهو الواقع فعلا ً, وتُجيّر لمصلحة تلك الدول.
وكما في كل مرّة..
ومع انطلاق الحركة الإجتجاجية والتظاهرات السلمية في 1/10/2019م والتي عادت أوسع وأقوى, حذرت المرجعية العليا (الجميع) أيضا ًمن التدخلات الخارجية ومحاولات استغلالها لمآربهم الخبيثة. كما في بيانها يوم 25/10/2019م التي أكدت على رفض حرف التظاهرات عن وجهتها السلمية نحو العنف والعنف المُضاد كونه (يفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي ويصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والاقليمية). وكذلك نراها في بيانها يوم 1/11/2019م وهي تدعو الشعب العراقي لمقاومة فرض الإرادات (الخارجية) عليهم مِن أيّ كان(وليس لأيّ شخصٍ أو مجموعةٍ أو جهةٍ بتوجّهٍ معيّن أو أيّ طرفٍ إقليميّ أو دوليّ أن يُصادر إرادة العراقيّين في ذلك ويفرض رأيه عليهم). وما بيانها في جمعة 8/11/2019م ببعيد حيث قالت:
(أن هناك أطرافا ً وجهات داخلية وخارجية, كان لها في العقود الماضية دور بارز في ما أصاب العراق من أذى ً بالغ وتعرض له العراقيون من قمع وتنكيل, وهي قد تسعى اليوم لاستغلال الحركة الإحتجاجية الجارية لتحقيق بعض أهدافها).
ونستنتج من تلك الفقرة أمورا ً منها: أن كل طرف داخلي يُقابله طرف خارجي دعما ً وتمويلا ً. وأن صيغة (الجمع) تُوحي بوجود جبهتين من الأطراف والجهات, متقابلتين ومتضادتين في آن واحد.
وحسبي بالأطراف والجهات الداخلية تلك هي (الشيعة والسنّة) والخارجية هي (إيران والسعودية) لما لهم من دور بارز في ما أصاب العراق والعراقيين من أذىً وقمع وتنكيل خلال الأربعة عقود الماضية. وأن أطراف وجهات تلك الجبهتين لا زالتا تسعيان في فرض إراداتهم على الشعب العراقي.
ولم أكن أتصور أن ذهن المواطن العراقي ليبرح أويُفارق إسمي (إيران والسعودية) ومن دار في فلكهما, والمقترنين بـ(حرب) النفوذ والهيمنة في العراق فهما اللاعبان الرئيسيان فيه بلا منازع, وحرب النفوذ والهيمنة تلك هي امتداد لحرب طائفية سابقة غير مُعلنة تلت (الحرب العراقية الإيرانية) أخذت أشكالا ًمتعددة وكانت الطائفية أبرز تلك الأشكال, فعانى منها الشعب العراقي وخصوصا ً(المكون الشيعي)ماعانى,كالمقابر الجماعية والإعدامات الصورية والتهجير والسجن والإعتقال وغير ذلك.
فبعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري السابق عام 2003م حصل التجاذب والتصادم المُخيف بين الغريمين (السعودية وإيران) على الساحة العراقية عملا ً بسياسة (ملأ الفراغ) تأمينا ً لمصالحهما الإستراتيجية. فعمدت (إيران) الى بناء هياكل سياسية واجتماعية داخلية (خصوصا ً داخل المكون الشيعي)بدعم وتمويل منها لتتحكم بالقرار السياسي والوطني في البلاد.
وذهبت (السعودية) بالمقابل بذا السياسة وجعلت أطرافا ً من المكون (السُنيّ) تصطف معها, وراح التاريخ يسجل لنا حروبا ً (داخلية) أقل ما توصف بأنها (قذرة) بحق الشعب العراقي, نتيجة هذا الصراع والتنافس بين الجبهتين وأطرافها الداخلية. فمرة حرب إرهاب ضرب الأخضر واليابس, ومرة حرب طائفية ضرب النسيج الإجتماعي للعراقيين وهدد أمنهم الإجتماعي, ومرة حرب تنظيم (القاعدة) ومرة حرب تنظيم عصابات (داعش)وهكذا. ولا ندري ما الجديد مستقبلا ً وما العدو الجديد الذي ينتظره العراقيون جراء ذلك.
لذلك انبرت المرجعية العليا ومنذ الأيام الأولى لسقوط النظام السابق بالتحذير من التدخلات الأجنبية في الشأن العراقي الداخلي, لأنها تعلم ببصيرتها وقرائتها للأحداث وما تؤول إليها. ومن تلك التحذيرات على سبيل المثال لا الحصر:
1ـ في جواب لها على أحد أسئلة وكالة (الأسوشييتد برس) عام 2003م حول فيما لو كان الشيعة موحدون في العراق أم لا فكان الجواب: ـ(العراقيون بجميع طوائفهم ومذاهبهم من الشيعة وغيرهم، موحدون في المطالبة باحترام إرادتهم في تقرير مصيرهم ورفض أن يخطط الأجنبي لمستقبلهم السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو الثقافي).
2ـ وفي جواب على سؤال من صحيفة (الواشنطن بوست) عام 2003م كان يسأل عن موقف المرجعية العليا تجاه التواجد الأميركي فكان الجواب: ـ(نشعر بقلق شديد تجاه أهدافهم ونرى ضرورة أن يفسحوا المجال للعراقيين بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم من دون تدخل أجنبي).
3ـ وكان جوابها على أحد أسئلة (الأسوشييتد برس) عام 2003م أيضا ً, والذي كان يسأل عن: (هل تحاول إيران أن تلعب دوراً سياسياً في العراق حالياً وهل حاول الإيرانيون الإتصال بكم)؟. فكان الجواب: ـ(يُفترض بجميع الحكومات أن تحترم سيادة العراق وإرادة شعبه ولا تتدخل في شؤونهم، وليس لدينا اتصال بأية جهة أجنبية فيما يخصّ الشأن العراقي).
ويُفهم من هذا الجواب بأن الجارة (إيران) بلد أجنبي كغيره من البلدان, ولا عبرة لأي ميزة أو وشيجة مذهبية كانت أم طائفية كما يحلو للبعض أن يجعلها فوق كل اعتبار, ومطلوب منها ما هو ما مطلوب من جميع دول العالم بما فيها (السعودية) أن تحترم سيادة العراق وأن لا تتدخل في شؤونه الداخلية.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- خارطة طريق السيد السيستاني