بقلم: حمزة مصطفى
تعددت تسميات مايجري الآن في العراق منذ أكثر من شهر. فمنهم من يطلق عليه تظاهرات, وهناك من ينظر اليه على إنه إحتجاجات, وهناك من رفع سقف المصطلحات الى إنتفاضة أو حتى ثورة. بصرف النظر عن التسميات فإن الأهداف بل والأجندات تختلف من جهة الى أخرى. وفي كل حراك كبير من هذا النوع هناك من يريد ركوب موجته لحرف المسار أو للبحث عن دور أو خطفه بحيث تتحول أهدافه من مطلبية,دستورية, طبيعية معترف بها من قبل الحكومة الى أمور أخرى يمكن أن تدخل الجميع بـ "إيراد ومصرف" لاسيما حين تضيع البوصلة, أو تكاد.
ومهما يكن من أمر فإن قراءة هذا الحراك وبرغم التضحيات التي رافقته خصوصا في بداياته من زاوية الأهداف والنوايا, فإنها تبدو في الغالب خلاف على سلم الأولويات. فالمتظاهرون على إختلاف توجهاتهم وأعمارهم وقناعاتهم ووعيهم السياسي تبدو أولوياتهم في الوصول الى الأهداف التي يريدونها مختلفة عن أولويات الطبقة السياسية (حكومة وبرلمانا). فالطبقة السياسية تؤكد إنها مع المطالب المشروعة للمتظاهرين, وهذا أمر جيد بحد ذاته. وحين نتفحص مطالب المتظاهرين فإن أهم ماتريد الوصول اليه هو الإصلاح الشامل للعملية السياسية في البلاد بدء من الدستور وشكل الحكم وطبيعة تداول السلطة فضلا عن كيفية إجراء الإنتخابات والقانون الخاص بها ومن ثم يتحقق من وجهة نظرهم الإصلاح في مجال الخدمات الأساسية مثل فرص العمل والسكن والضمان والإستثمار وغيره من الميادين الخدمية.
في مقابل ذلك فإن الطبقة السياسية سواء كانت حكومة أم برلمانا أم أحزابا أم زعامات تقر وتعترف بوجود إشكالية في النظام السياسي تحتاج الى تغيير جذري. كما تعترف في الوقت نفسه بوجود خلل وقصور في مجال الخدمات الأساسية. ووجهة نظر الطبقة السياسية أن البداية يجب أن تكون لحزم الإصلاح ذات البعد الخدمي كونها ضاغطة جدا إنطلاقا مما يرفعه غالبية المتظاهرين ممن يبحثون عن فرص العمل والسكن والخدمات على أن يكون ذلك مقدمة للإصلاح الشامل في بنية النظام بدء من الدستوروالإنتخابات المبكرة والقانون الإنتخابي الخاص بذلك. المبرر الذي تطرحه الطبقة السياسية لذلك أن حزم الإصلاح الحالية والتي ستليها يمكن أن تساهم في التخفيف من كاهل ماتعانيه الجماهير.
ماهو الحل إذن طالما أن هدفين الطرفين واحد وهو الإصلاح الشامل لكن الخلاف هو من أين نبدأ؟ لكي نتمكن من الإجابة على هذا السؤال لابد أن نحدد جوهر المشكلة والتي تتمثل بأزمة الثقة بين الطبقة السياسية والمتظاهرين. لذلك باتت الحاجة ماسة للبدء بإجراءات إعادة الثقة المفقودة بين الطرفين مع البدء في الوقت نفسه إتخاذ المزيد من الإجراءات الضامنة لتعزيز هذه الثقة.
وبرغم عدم ظهور من يمثل المتظاهرين وهي مشكلة بحد ذاتها بحيث يعيق إمكانية التفاهم عند حلول وسط في منتصف الطريق فإن ضبط النفس من قبل القوات الأمنية بما لايؤدي الى وقوع خسائر من شأنه أن يكون أول بوادر الثقة بين الطرفين التي يمكن أن تتعدى البعد الأمني لتنتقل الى السياسي شريطة أن تدعم بإجراءات فعالة على مستوى الحكومة والبرلمان.