هادي جلو مرعي
هذا هو الذي حصل، وربما دون إتفاق، فالحوادث الكبرى تصنع أتفاق الناس تلقائيا حتى وهم في بيوتهم دون الحاجة ليجتمعوا ويقرروا. فحين تهاجمهم الطبيعة، وحين تتسلط عليهم الأنواء، فيسقط مطر غزير يغرق البيوت والشوارع، ويقتل الزروع والمواشي، ويخرب الدروب، وحين ينزل من اعالي الجبال غبار وركام من الرمل الأسود فيهدد الحياة، وحين يحدث زلزال عظيم يدمر كل شيء، وحين تفيض الأنهار، وتحترق الغابات، وحين يهاجم تسونامي، لايعود الناس بحاجة الى مواقع تواصل إجتماعي، ولا الى تلفاز وإذاعة، ولا لتحشيد ودعوات صاخبة ليصنعوا ردود أفعال، بل يكون عملهم الرد المباشر، والتحرك لدرء الخطر، ولمواجهة التحدي، وتقليل الخسارات.
في الحالة العراقية، وعلى مدى ستة عشر عاما كان ممكنا الجمع بين الرؤيتين، القائلة بالتحضير والتحشيد للرد، والقائلة بالاحاجة لكل ذلك على غرار ماذكرنا من حوادث الطبيعة. فقد عاش المواطنون في بلدنا تراكمات الحروب والحصارات والموت والسجون والغربة والتهجير والنزوح والطائفية والفساد والبطالة والتهميش وغياب الرؤية واللامبالاة السياسية بأوضاع الناس ومعاناتهم وقرفهم من عيشتهم المرة دون أن يلتفت إليهم أحد بعد أن غرق الساسة بالنزاع والمنافسة وجني ثمار العمل السياسي المنفصل عن واقع المجتمع.
كان الساسة يخوضون في المنافسة الفاسدة على المناصب والأموال والنفوذ والتحكم بالقرار، بينما كان الناس يخوضون في الحرمان والمرض والدماء، وماسببه العنف والإرهاب الأعمى لهم من ويلات، فلا الساسة إنتبهوا من سكرتهم، ولاالناس تخلصوا من عذاباتهم بمرور الوقت حتى حدث الإنفجار العظيم الذي نعيشه اليوم.
فالجميع غاضب، وراغب في التظاهر ومنزعج ممايجري من حوله، ويشعر باليأس والإحباط، ويريد إقتلاع كل شيء من جذوره لأنه لم يعد مستعدا للمطاولة، ولا للإنتظار غير المنتج. الجميع يريد التغيير، وهناك رغبة في تحقيقه مهما كان الثمن. نحن في قلب العاصفة، وأمامنا المزيد من التحديات والمصاعب. ساعد الله العراقيين على تجاوزها.
أقرأ ايضاً
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- بماذا للعراق ان يستفيد من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ التجربة البريطانية
- احصائية ومقارنة بين معركة طوفان الاقصى و نكسة (حزيران) العرب في حرب الايام الستة في عام ١٩٦٧