- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كيف نقرأ بيان يوم 25/10 للسيد المرجع الأعلى للأمّة !
بقلم: نجاح بيعي
حينما ألقى خطيب جمعة كربلاء بيان مكتب سماحة السيد (السيستاني) في خطبته الثانية, كان قد مضى على انطلاق التظاهرات (السلمية) عدة ساعات من يوم 25/10/2019م.
ولكن المرجعية العليا وفي مستهل بيانها, أثبتت أنها ليست فقط تراقب وتواكب الحدث فحسب, وإنما ترى ما سيحدث ويقع وتؤول إليها أحداث الوضع العام وخصوصا ً(التظاهرات) التي نبّهت من طرف خفيّ الى أن سلمية التظاهر لم تكن إلا فقاعة ناعم مظهرها, تخفي بداخلها وجهها العنيف الذي خُطط له بجر تلك التظاهرات الى ما كانت حذرت منه المرجعية العليا في نص البيان.
ووقع ماكان في الحسبان. فلم يكن هناك إلتزام تام بسلمية التظاهرات, وتم السماح بانجرارها الى العنف (الدموي) وأعمال الشغب والتخريب لأغلب محافظات الوسط والجنوب, فكانت ليلة (كابوس) على الجميع يملؤها الدم والنار والدخان.
إنّ تأكيد المرجعية العليا على ضرورة أن تكون التظاهرات الإحتجاجية (سلمية) وخالية من (العنف) إنما يعود الى أمور (6) ستّة, غفِل عنها الجميع كـ(سلطات ثلاث برئاساتها الأربع ـ وطبقة ساسية بزعاماتها ـ ومتظاهرين محتجين وغيرهم) هي:
1ـ لإهتمامها في إبعاد الأذى عن المتظاهرين والعناصر الأمنية على حدّ سواء.
2ـ وحرصها البالغ على مستقبل البلد الذي يعاني من تعقيدات كثيرة.
3ـ خشيتها من أن ينزلق العراق بالعنف والعنف المقابل الى الفوضى والخراب.
4ـ وفسح المجال لمزيد من التدخل الخارجي.
5ـ فيصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والإقليمية كتحصيل حاصل.
6ـ وبالنتيجة يحدث للعراق وشعبه ما لا يحمد عقباه, ولا يمكن التخلص من تبعات هذه النتيجة حتى بعد مضي سنوات طوال.
ـ أن تمسك المرجعية العليا بمبدأ سلمية التظاهرات, وسط أجواء إعلامية مُشبعة بنظرية المؤامرة والتخطيط المُسبق, لإحداث فوضى عارمة بالعراق تنال من أمنه ونسيجه المجتمعي ونظامه السياسي, أنما لجر البساط من تحت أقدام أي متآمر ولصد أي مؤامرة كانت. فالمرجعية العليا تنبأت بما حدث بعد انقضاء يوم 25/10 لدليل على أن هناك مؤامرة تُحاك في الظلام.
ـ لذلك أفردت المرجعية العليا أمرا ً(7) سابعا ً يُضاف لـ(6) ست أمور الآنفة الذكر التي أكدت على سلمية التظاهر, وهذا الأمر لأهميته ولخطورته إن لم يتم العمل بسياقاته والإلتزام بمفرداته, يكون الجميع قد شارك في فتح الأبواب لولوج المؤامرة التي تريد بالعراق وشعبه شرا ً كما في كل مرة. والأمر (7) السابع هو:
ـ(إنّ الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في إدارة البلد ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، وهو ممكن اذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة في هذا الصدد).
وهو أمرٌ ليس بالمستحيل ولا يحتاج إلا إلى قليل إلتفات وتفهم لا غير, بالإضافى الى أنه ممكن واقعا ً وفي متناول اليد تطبيقا ً. أيّ أن تكون المطالب ذات شروط معينة أبعاد مُحددة, حتى تكون قوية ومُجدية وقابلة لأن يُنظر لها ويؤخذ بها, على نحو التطبيق العملي بلا مواربة من قبل القابضين على السلطة. ومن تلك الشروط والأبعاد:
1ـ أن شرط الإصلاح الحقيقي بالتغيير المنشود يصبّ في سلك الطرق (السلمية) لا غير.
2ـ أن العاهة المستديمة والمدمرة تكمن في مشكلة الإدارة (إدارة البلد) التي صارت كالسرطان المتضخم في جسد الدولة.
3ـ أن تكون تلك المطالب المُحددة ذا بُعد (وطني) ولا تقتصر على مكون بعينه أو طائفة بعينها.
4ـ يستلزم ذلك تكاتف عراقي ورصّ للصفوف في المطالبة بها.
لذلك ألهمت المرجعية العليا ـ من خلال درايتها بالوضع العام للبلد وبصيرتها وبشؤون العراقيين كافة وما يحتاجونه ـ عدّة مطالب إصلاحية للمتظاهرين والمُحتجين, اتفقت عليها كلمة العراقيين (شيعة وسنّة كرد وعرب وتركمان وكافة المكونات والطوائف) وطالما طالبوا بها سابقا ً. وبعبارة أدق.. ينبغي لجميع العراقيين فيما لو رغبوا فعلا ً بالإصلاح والتغيير نحو الأفضل أن يجعلوا المطالب المهمة التالية من الأولويات في تظاهراتهم واحتجاجاتهم, ويُثبتوا عندها ويُصرّوا على تُطبق بحذافيرها وهي:
1ـ مكافحة الفساد وإتّباع آليات واضحة وصارمة لملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم.
2ـ رعاية العدالة الإجتماعية في توزيع ثروات البلد بإلغاء أو تعديل بعض القوانين التي تمنح إمتيازات كبيرة لكبار المسؤولين وأعضاء مجلس النواب ولفئات معينة على حساب سائر أبناء الشعب.
3ـ إعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي بعيدا ً عن المُحاصصة والمحسوبيات.
4ـ إتخاذ إجراءات مُشددة لحصر السلاح بيد الدولة.
5ـ الوقوف بحزم أمام التدخلات الخارجية في شؤون البلد.
6ـ سنّ قانون مُنصف للإنتخابات يُعيد ثقة المواطنين بالعملية الإنتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها.
ولم يغفل بيان المرجعية العليا تشخيصها المتمثل بعاهة (سوء إدارة البلد) من قبل القوى السياسية القابضة على السلطة, فأشارت بحزم الى نتائج تقرير اللجنة الحكومية العليا السيئة الصيت, والخاصة بالتحقيق في وقوع ضحايا تظاهرات 1/10 من (المتظاهرين والقوات الأمنية) إضافة الى تخريب الممتلكات العامة والخاصة. حيث قالت:
1ـ أن نتائج التقرير لم تُحقق الهدف المترقب منه. وذلك بالكشف عن القتلة والجُناة.
2ـ وأن نتائج التقرير لم تكشف جميع الحقائق والوقائع بصورة واضحة للرأي العام كما طُلب منها.
وبهذا كشفت عورة السلطة التنفيذية المتمثلة برئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية, وفضحت كذبهم وتدليسهم بإخفاء الحقائق والتستر على القتلة الجُناة. وهذه ليست المرة الأولى (ويبدو أن هذا هو ديدن جميع الحكومات المتعاقبة على هذا البلد المسكين) فقد سبق وأن تمّ رفض مقترح (7آب 2015م) للمرجعية العليا من قبل المسؤولين والحكومة عام 2015م, وكان كفيل بأن يخرج العراق من أزماته ومحنه المتوالية والمتكررة آنذاك, وتم رفضه ثانية من قبل الحكومة الحالية, وبعد أن أوعد رئيس مجلس الوزراء الحالي بالعمل به ببيان له ولم يعمل به.
لذلك.. فقد توج رفض وعناد الحكومات السابقة بما في ذلك الحكومة الحالية, والقابضين على السلطة من السياسيين أيضا ً, لأيّ مشروع إصلاحيّ أو مشورة أونصيحة من أيّ كان, مزيدا ً من الدماء والتخريب وسوء الأوضاع, وآخرها ما حدث يوم 25/10/2019م ومساءه والتي هي حلقة من مسلسل يبدو ليس له انتهاء.
وهذا ما دفع المرجعية العليا لأن توجه ندائها الى (السلطة القضائية) هذه المرة, لأن تأخذ دورها وأن تنهض بمسؤولياتها القانونية والأخلاقية. وطالبتها بتشكيل (هيئة قضائية) مستقلة لمتابعة ذات موضوع أحداث تظاهرات 1/10/2019م ومن المنطقي أن يُلحق بالمتابعة أحداث 25/10 الدموية التالية, وإعلام الشعب بنتائج تحقيقها بكل مهنية وشفافية, متجاوزة ً بذلك السلطة التنفيذية ومماطلتها وتسويفها.
ـ واليوم.. ربما يقف (المشهد العراقي)عند أعتاب (السلطة القضائية) بعد أن رمت المرجعية العليا الكرة بمرماها في بيانها الأخير, فلا يتوقع أن يكون هناك مشهدا ً آخر يرتجى منه إمتصاص ثورة الغضب العارم لجموع الشعب العراقي المجروح, ضد أقطاب السلطة الفاسدة والمتحصنة في الخضراء.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجع السيستاني.. المواقف تتكلم