- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مدلولات توظيف النصوص لدى الأفراد والمجتمعات..الجزء الثالث
حسن كاظم الفتال
دور القبلية ووشائج النسب في التحريف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذ إن بعضا من دوافع تحريف الحديث.. لعلها العصبية القبلية..
فوشائج النسب والحسب لها أهمية قصوى وذلك مضاف إلى عامل الحسد والذي قد لعب دورا بالغا هو الآخر في السعي لإزالة المحقين عن مراتبهم ودفعهم عن مقامهم.. وقد ساند التكبر البعض بل حضهم كثيرا على أن يتمسكوا بالسلطة أي تمسك. وإذا كان هذا القول بحاجة لما يعضده فلدينا الدليل.
ولعلنا نستطيع أن ندعم قولنا هذا إذا استرجعنا ذكرى من ذكريات غدير خم وقرأنا سأل سائل بعذاب واقع. أو تقدمنا قليلا وعشنا أحداث قضية فدك ومن ثم الصراعات الكبيرة والتي أبرزها الأموية والعباسية. وهكذا.. ثم لنستمر في طي صفحات الزمن ونتجاوز الحقب فمن حقبة إلى حقبة حتى نقف عند حقبة الشاعر ابن المعتز العباسي الذي هو من بين الشعراء الغاوين ومن الذين اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق. اذ يقول:
ترامت بنا حادثات الزمان** ترامي القسي بنشابها
ويا رب ألسنة كالسيوف** تقطع أرقاب أصحابها
ونحن ورثنا ثياب النبي** فكم تجذبون بأهدابها
لكم رحم يا بني بنته ** ولكن بنو العم أولى بها
قتلنا أمية في دارها** ونحن أحق بجلبابها
ذلك الذي تصدى له الشاعر الكبير صفي الدين الحلي رحمه الله
ألا قل لشر عبيد الإله ** وطاغي قريش وكذابها
وباغي العباد وباغي العناد** وهاجي الكرام ومغتابها
أانت تفاخر آ ل النبي ؟** وتجحدُها فضل أحسابها
بكم باهل المصفى أم بهم ** فرد العداة باوصابها؟
أعنكم نفى الرجس أم عنهم ** لطهر النفوس وألبابها؟
أما الرجس والخمر من دأبكم ** وفرط العبادة من دابها
وقلت ورثنا ثياب النبي ** فكم تجذبون بأهدابها
وعندك لا يورث الأنبياء ** فكيف حظيتم بأثوابها
فكذبت نفسك في الحالتين** ولم تعلم الشهد من صابها
حتى يبلغ في قوله
فهلا تقمصها جدكم ** إذا كان ذلك أحرى بها
إذا جعل الأمر شورى لهم** فهل كان من بعض أربابها
أخامسهم كان أم سادسا؟.** وقد جليت بين خطابها
وقولك أنتم بنو بنته** ولكن بنو العم أولى بها
بنو البنت أيضا بنو عمه** وذلك أدنى بأنسابها
فدع في الخلافة فصل الخلاف** فليست ذلولا لركابها
فكيف يخصوك يوما بها** ولم تتأدب بآدابها
وقلت بأنكم القاتلون** أسود أمية في غابها
كذبت واسرفت فيما ادعيت** ولم تنه نفسك عن عابها
قصيدة طويلة عصماء تحمل في ثناياها رموزا ومعانٍ سامية وتلقم من يدعي باطلا الحجر
ولاشك أن من أطلع على محاورة معاوية مع عمرو بن العاص حين يتهم معاوية عمرًا بالغدر حتى يقول له: أني لأعلم أنى لو قتلته دخلت النار ولو قتلني دخلت النار …. وهذا اعتراف صريح من معاوية باغتصاب الملك والإستماتة من أجل الحفاظ عليه ولكنه يخالف ذلك تماما حين يرتقي منبر المسلمين وينسب لنفسه ما يُنسَب لغيره وأشهر أقواله الإدعاء بخصوصية آية التطهير التي ذكرتها سلفا.
كما أنشد بعض شعراء الغدير أبو الحسن المنصور بالله والذي أورده الأميني في الغدير
بني عمنا إن يوم الغدير** يشهد للفارس المعلم
أبونا علي وصي الرسول** ومن خصه باللوا الأعظم
لكم حرمة بانتساب إليه** وها نحن من لحمه والدم
لان كان يجمعنا هاشم** فأين السنام من المنسم
وان كنتم كنجوم السماء** فنحن الأهلة للأنجم
ونحن بنو بنته دونكم** ونحن بنو عمه المسلم
حماه أبونا أبو طالب** واسلم والناس لم تسلم
وقد كان يكتم إيمانه** وأما الولاء فلم يكتم
قفونا محمدَ في فعله** وأنتم قفوتم أبا مجرم
هدى لكم الملك هدي العروس** فكافيتموه بسفك الدم
ورثنا الكتاب وأحكامه** على مفصح الناس والأعجم
فان تفزعوا نحو أوتاركم** فزعنا إلى آية المحكم
قتلتم هداة الورى الطاهرين** كفعل يزيد الشقي العمي
أمانة نقل الحديث
ــــــــــــــــــــــــــــــ
عن إسحاق بن عمار، عن أبي بصير، عن الصادق صلوات الله عليه قال: في قول الله تعالى،(فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه) قال: (هم المسلِّمون لآل محمد صلوات الله عليهم إذا سمعوا الحديث أدوه كما سمعوه ولا يزيدون ولا ينقصون)
يبدو أن ليس مشروعية الرأي الصائب ومصداقيته بل مشروعية المزاج قد تحكمت بل تغلبت على مشروعية الأمانة في نقل الحديث وأصبح لإصدار الفتوى تلازمٌ تامٌ أيضا ودور مهم في نقل الحديث وضعفه وتضعيفه والقدح والتجريح به وكل حسب ما يحمل من نية وما يبتغي من مراد وهذا التلازم أصبح عاملا من أهم العوامل التي صاحبت عملية نقل الحديث وسرده وكيفية عرضه والتقليل من شان مصداقيته ومصداقية الراوي
نستنتج من هذا بأن للأمانة العلمية والتاريخية المستقاة بالأدلة العقلية والنقلية.. لهذه الأمانة أهمية قصوى فعلى من يتصدر للنقل أو السرد أو القدح أو التجريح أو التلميح بالضعف والتضعيف أن يضع يد الصدق على ضميره كما يقال.
ولعل البعض اعتمد بل انشغل بالقياس والإعتماد على المعايير الظنية وأهمل شرط الإرتشاف من الحياض الطاهر فأخطأ كثيرا في ضبط الحديث.
وكم وجدنا ونحن نتصفح سجل التأريخ ما يمكن أن يكون شاهدا يشهد على هذا القول فكم من راو نطق على لسانه الشيطان وسير قلمه الإفتراء وأغواه البهتان.. (ومن الناس من يُعْجبُك قولُه ويُشهدُ الَله على ما في قلبه وهو ألدُ الخِصام) ـ البقرة / 204
قرائن الإستشهاد
ــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن التوظيف للصالح الخاص لم يحده زمن ولم ينحصر على الأسلاف فهو ينتقل من حقبة إلى أخرى ومن جيل إلى آخر كل حسب مواصفاته وحسب استيعابه وحسب إمكانية استغلاله للنص وليس حسب استنباطه أو استدلاله.. ويبدو أن ذلك مرضٌ معدٍ حيث امتدت تشعبات هذه الظاهرة وتشظت وهي عملية تحريف الحديث أو توظيفه وتواصلت في استخدامه وإمالته إلى جهة المصالح والمآرب إذ آلت النوبة للأجيال المتعاقبة المعاصرة. وإن دواعي التحريف كثيرة. وإن ما يحدث من تحريف أو توظيف إما أن يكون بتعمد وإما من جهل بالحكم أو بالآية أو بالحديث النبوي الشريف. أو أحيانا لا.. مع سبق الإصرار والترصد. فيؤلف نصا حسب ما يشتهيه أن يكون.
ولا أريد هنا أن أتعمق وأتوغل كثيرا فربما أقع في ورطة ولكن سآخذ ما يطفو على السطح مما هو ظاهر للعيان:
ومن ذلك على سبيل المثال ألم يسمع الكثير منا هذه العبارة والتي يستخدمها الكثيرون وهي: (وحللنا عليكم صيد البر والبحر) فإن الناطق بهذه العبارة يعدها آية كريمة وسرعان ما ينطق بها حين يُطالَبُ أن يتحرز من استعمال اللحوم غير المذكاة مثلا وأن يلاحظ فيها الحكم الشرعي الفقهي وربما أحيانا حتى تتعلق بالعامل الأخلاقي والصحي والذي هو أساس فسرعان ما ينبري للمعترض أو الناصح ليبرهن على أنه لبق وسريع البداهة ومستعد ليفحم الآخرين فينطلق بقوة طارحا دليله المفند لصحة قول القائل فيقرا آيته المفضلة وهي ليست بآية منزلة.لكن يبدو أنها نزلت في أسواق اللحوم المستوردة. أنزلها وحي الترويج المبجل.
لقد قال الإمام الصادق صلوات الله عليه وهو يخاطب أبان بن تغلب في توضيح له لمسألة..(يا أبان إنك أخذتني بالقياس، والسنة إذا قيست محق الدين).
ولعل من بعض أسباب تقبل الحديث احتوائه مفردات سلسة مناسبة لشد الآخرين مشحونة بعناصر التشويق عن طريق ألفاظ أو عبارات مناسبة تسمع فتدغدغ العواطف أو المشاعر وتحاكي صغر العقل أو ضعفه قبل أن تحاكي قوة العقيدة. وتتناسب مع ما يتمنى السامع لأن يسمع أو يشاهد. ومن هنا يتم استحسان الطرح من قبل المتلقي ولا يفوتنا درج ملاحظة ألا وهي علاقة الملقي بالمتلقي خصوصا عندما يكون النص يلقى على شكل شعر أو سجع أو مثل شعبي. حيث أن المثل الشعبي يمتاز باختصار المفردات ورقتها
فإن الداعي إلى عمل الخير والراغب في نشر الإحسان ليعم عن طريق أداء فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يلتزم التزاما تاما بالآية الكريمة من قوله تعالى (الذين إن مكناهم في الأرضِ أقاموا الصلاةَ وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونَهَوْا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ـ الحج / 41 ويستند إليها ساعة يؤدي واجبه أو ساعة يريد حض الآخرين على ذلك
بينما الذي يود أن يظل الصمت مخيما ليحل الخراب سواء علم أو لم يعلم بقصد أو بلا قصد أو أنه يفضل التهرب من ممارسة أي عمل خيري فحين يتنحى لا يكتفي بصمته وانعزاله بل أحيانا يحاول أن يحبط عزيمة الآخرين ولو أتيح له أن يأمر بالمنكر فلا يتردد وحين ذاك فهو أيضا يتخذ من قرينة استشهاده آية كريمة من قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسَكم لا يَضُرُكُم من ضَلَّ إذا اهتديتم) ـ المائدة /105
والذي يسند عمله بهذه الآية غاب عن ذهنه أن التفسير المنسوب للإمام الصادق صلوات الله عليه لهذه الآية يقول: يخالف ما يتصوره هو:
فقد روي أن ثعلبة الأسدي سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذه الآية فقال: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك).
إلى اللقاء في الجزء الرابع
أقرأ ايضاً
- حين تُستودع مصائر الكبار لدى أمزجة الصغار !
- "خُوارٌ جديدٌ".. برامجُ إلْحاديّة بطرقٍ فنيّة !! - الجزء الثالث والاخير
- لدى بوتين زوج أحذية وللغرب رأس واحد