عباس الصباغ
الانتخابات جوهر العملية الديمقراطية والغاية الاساسية منها وفي ابسط مصاديقها الكلاسيكية والمتجسدة بتمثيل الشعب تمثيلا وفق الاطر النزيهة الشفافة، ومن علائم سلامة مسار البوصلة الديمقراطية في البلد في مسارها الصحيح هو ان تنماز الفعاليات السياسية في اطارين الاول التنفيذي وهو الانخراط الفعلي في المضمار الحكومي وفي كافة مفاصل السلطات الحكومية الثلاث، والثاني الانزواء تحت هامش العملية السياسية والتقهقر عن المشاركة في الاداء الحكومي والاكتفاء بمراقبته وتقويمه في مايسمى وفق الديمقراطيات العريقة بحكومة الظل التي بات العراق في امس الحاجة اليها الان وهي شكل من أشكال المعارضة السياسية وهذا شيء جدا طبيعي في النظم الديمقراطية ودليلٌ على نضج العملية السياسيَّة في البلد ان وجدت كما هو مأمول .
فان صحت الاخبار عن توجه كتل برلمانية كبيرة الى تبني اسلوب المعارضة البرلمانية ـ بحسب الموسوعة الشاملة ان المعارضة في السياسة هي جماعة او مجموعة افراد يختلفون مع الحكومة على اساس ثابت وطويل، وينطبق المصطلح بشكل اكثر تحديدا على الاحزاب في الأنظمة الديمقراطية وداخل قبة البرلمان التي تختلف مع الحكومة وترغب بالوصول الى السلطة ـ فان الامور بهذا الشكل بدأت تبشّر بخير وان العملية السياسية التي كانت تعاني من داء عضال او من موت سريري موشك بدأت تتعافى ولأول مرة بعد التغيير النيساني، بعد ان انغمرت جميع الكتل بدون استثناء بالمضمار الحكومي، فهذه شيزوفرينيا سياسية غير مقبولة، فكيف يمكن لسياسي ان يحكم ويقوّم اداءه بنفسه في ذات الوقت ؟ وزاد الطين بلة ان العملية السياسية لم يرافقها خطأ بنيوي في التأسيس الدولتي فقط وانما سارت وفق منهج الديمقراطية التوافقية بأسوأ صورها فتواشجت الاخفاقات التأسيسية على مدى اكثر من عقد ونيف ماولّد الاحباط وخيبة الامل التي عاشها المواطن العراقي بسبب الفساد المالي والاداري الذي استفحل في جميع اروقة ومفاصل الدولة العراقية ومايزال ، فلم تتجذر فكرة ثقافة المراقبة وتقويم الاداء الحكومي المعمول بها في الديمقراطيات العريقة كبريطانيا مثلا وهي ام حكومات الظل المعارضة سياسيا والرائدة في هذا المجال ولها قصب السبق فيه، يضاف اليها الولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول الأوربية وغيرها، فهنالك حكومة معارضة تتشكل فيها بالتزامن مع تشكيل الحكومة التنفيذية فيها تساير الحكومة الفعلية وتراقب اداءها ولاتتركها تفعل ماتشاء دون حسيب او رقيب.
كمواطن عراقي التمني مايزال مشوبا بحذر من هذا التوجه الذي يجب ان يكون بحسن نية وللصالح العام وليس لأي غرض سياسي اخر لان ثقافة مغادرة مربع الانخراط الكلي والفعلي في الاداء الحكومي قد جاءت في العراق متأخرة جدا ولكن مازال في الافق متسع للعمل إن كانت نوايا المعارضين او المعترضين سليمة (ان تصل متاخرا خير لك من ان لاتصل ابدا) فالوصول الهش خير من عدم الوصول بتاتا .
الديمقراطية الناضجة هي التي لايستاثر الفرقاء السياسيون بالسلطة من اجل مغانمها ومكتسباتها من جهة ومن جهة اخرى من المنطقي ان يتقبل الخاسرون في الانتخابات النتيجة لاسيما ان كانت صناديق الاقتراع هي التي حسمت بياناتها وان هذه "الخسارة" هي ليست نهاية الحياة السياسية، بل العكس الانضواء تحت هامش الحياة السياسية (حكومة ظل) يعطي زخما سياسيا ودافعا اخر للاستمرار فيها وللأسف الممض ان الفرقاء السياسيين العراقيين المتصدين للقرار السياسي وعلى كافة مشاربهم لم يهضموا بعدُ فكرة المعارضة وتشكيل حكومة ظل بموجب هذه الفكرة التي ظلت بعيدة عن مخيلتهم وظنوا انهم وفي حال وجودهم خارج نطاق الحكومة الفعلية سيكونون "محرومين" من الامتيازات التي يحصلون عليها وهم داخل الحكومة، كما انه سيراكُم خبرة سياسية في حال تصدّر (حكومة الظل) مرة اخرى للواجهة السياسية وتكون حكومة فعلية، لان المناخ الديمقراطي الرصين والنزيه يمنح هذه السلاسة والمرونة فقد آن الاوان للاتجاه نحو المعارضة البرلمانية الفعالة التي تقّوم الاداء وتفعّل آليات الرقابة على السلطة التنفيذية من خلال تأشير الخلل في مشاريع القوانين المقدمة من قبل الحكومة او عمل الوزراء او اعتراضها على إهمال تنفيذ فقرات البرنامج الحكومي والواقع العراقي مايزال محتاجا الى تأسيس ثقافة المعارضة البرلمانية الحقيقية وان كانت في حدودها الدنيا.
أقرأ ايضاً
- الحصانة البرلمانية
- من داخل بعض الشركات.. صحوة ضمير لمؤازرة الشعب الفلسطيني
- سابقة برلمانية هي الأول من نوعها