- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
(المواطن المستقر) عائق حقيقي لتقدم وتطور البلد.
كفاء حسن الربيعي
يقول المفكر الفرنسي إيتان دولابواسييه في كتابه (العبودية الطوعية):"عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لاتحتاج الى الحرية، وتتوائم مع الاستبداد، ويظهر فِيه مايمكن ان تسميه المواطن المستقر"
منذ اكثر من 15عاما والمواطن العراقي يعاني من مشكلة نفسية خطيرة تتمثل بتخدير الذات
،فما تعرض له البلد من قمع واستبداد أبان النظام البائد وبعد فشل الانظمة السياسية بعد عام 2003 في جعل البلد يتطور نحو الافضل، اصبح المواطن العراقي معتادا على نمط معين، وهذا النمط هو الخضوع للسلطة والتكيف مع المجتمع، حتى اصبح راضيا ومقتنعا بوضعه (حتى لْـۆ كان محطما).
ولو تسائلنا عن سبب خلق هذا النمط للمواطن لوجدنا ان السلطات الدكتاتورية والانظمة السياسية الفاشلة هي التي تقف وراء خلقه من خلال أليات معينة تتمثل في الآتي: (الاسرة، التعليم، وسائل الاعلام الرسمية،الوضع الاقتصادي).
فتقوم الأسرة بتقييد حرية الطفل وتجبره على اتباع قيم المجتمع، ثم تأتي المدرسة لتحد من مخيلة الطالب، وتحصر نموه الذهني وعقليته النقدية في زاوية معينة، وتقتل فيه الشغف وروح المغامرة والتمرد، من خلال مناهج ونظم فاشلة واعتمادها الحشو والتلقين، ممايسبب للطالب حالة من القلق والتوتر الدائم!!
وكلا من الاسرة والمدرسة يستخدمان اساليب وأليات الضبط والعقاب والتوبيخ لتظهر لنا نسخ من الاجيال المكررة تحذو على نفس النهج الذي حدده المجتمع لـٍهآ.
ثم يأتي بعد ذالك دور الاعلام الذي تراه تارة يمجد بالسلطة وانجازاتها ويعظم الرموز السياسية المؤثرة ويطالب بالامتثال لها، وتارة أخرى تراه يهجم على السلطة ويهجوها ويسقط تلك الرموز ويتهمهم بالفساد وغيرها من التهم وهذه الازدواجية تجعل الفرد في حالة صراع داخلي وتوتر لايعلم متى ينتهي.
بينما النظام الاقتصادي الذي يقوم على اساس التراتب والطبقية،مما يجعل المجتمع بأسره ينتظم على أيقاع السلطة.
وبذالك يتم تشكيل هذا النمط الذي يستمر وفق ثلاث اسس هي (انشغال المواطن بكسب لقمة العيش، الدين، وسائل الترفيه والتسلية).
فنجد الفقراء والفئات الضعيفة تتأقلم مع الوضع الراهن من خلال تكوين عالمها الخاص،فيستمر المواطن بالسعي والاجتهاد لتأمين قوت يومه، دون ان يلتفت لممارسة فعاليات عامة اخرى،اذ انه لٱ يعبأ بحقوقه المدنية والسياسية مطلقا،وهمه الوحيد تربيه وتعليم ابنائه وتزويج بناته.
اما الدين او بالأصح التدين(الظاهري)يجعل المواطن يشعر بالقناعة بما وهبه الله،فالدين وفق هذا النمط لدى المواطن لٱ علاقة له بالحق، وانما مجرد طقوس وشعائر يمارسها ليشعر بالراحة والرضا،ولاعلاقة له بالاخلاق والسلوكيات، فتراه متدينا(شكليا)لكنه لايجتنب الكذب والنفاق والاعتداء على حقوق الغير، فهو يستشيط غضبا إذا ما رأى مفطرا في رمضان او شخصا معارضا له في مبدا ديني معين.
في حين تأتي وسائل التسلية لتعوض الحاجات النفسية الغير ملباة،والتي حرم منها، كالأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والالعاب مثل كرة القدم التي تعد الاكثر رواجا بالعالم.
وهذا النمط من المواطن هو ما اشار اليه دولابواسييه ب (المواطن المستقر)،والذي يوضح الروائي علاء الأسواني كيف ولماذا يفضل(المواطن المستقر) الاستقرار رغم القمع والظلم على اي محاولة تغيير!! فيقول الاسواني"فالمواطن المستقر نشأ وعاش في ظل الاستبداد، وهو مقتنع بأن الرئيس من حقه ان يفعل مايريد، وان الحكومة ستظلمه وتسرقه في كل الاحوال، لقد يأس تماما من تحقيق العدل،فانشأ عالمه الصغير المنعزل،وتعلم كيف يتعايش مع الظلم والفساد حتى يحصل على الحد الادنى من حقوقه. اذا كان دخله متدنيا سيتعلم كيف يتلقى رشاوى صغيرة يستعين بها على الحياة، ويتعلم كيف يذعن امام مديره في العمل.وهكذا يصبح ولاء المواطن المستقر الوحيد لعائلته، فهو يكافح بظراوة من اجلها، لكنه خارج نطاق اسرته لايعنيه مايحدث اطلاقا،فهو لايشارك بالانتخابات، ولا يعبأ بانتهاك الدستور، او قمع الحريات،لكنه يتحايل ويكذب حتى لايدفع اشتراكه في مصعد العمارة التي يسكن فيها".
لذا يمكن ان نفسر سبب كره(المواطن المستقر)
للثورة التي لابد منها في ظل المعطيات التي يعيش فيها، فالثورة تسبب له عطلا في مشروع حياته الرتيب ولاتقدم بديل فوري، بالإضافة الى تأقلمه مع الاستبداد، فالنضال من اجل الحرية لم يعد من اولوياته،وايضا وجود افراد الثورة الذين يضحون من اجل مبادئهم يجعله يشعر بالحرج من نفسه، فهو عاش على اساس الجبن عين العقل،والاذعان منتهى الحكمة.
أقرأ ايضاً
- جريمة الامتناع عن معاونة السلطات التحقيقية في القانون العراقي
- قصة حقيقية تبين التعامل الواعي مع الحسين (ع)
- الحسين مغناطيسية الوجود الحقيقي