بقلم سراج الموسوي
إستيقظتْ رنا من احلامها الوردية مبتسمة مستبشرة، لانها اعتادت ان تفتح عينيها البريئتين على وجه امها الباسم،
قالت وهي تلف رأس امها بذراعيها: صباح الخير يا امي، هل حان موعد ذهابي الى المدرسة؟
اجابت الام بصوت مملوء بالحنان والرقة: اجل يا حبيبتي رنا، هيا انهضي من فراشك..
قبلتها وذهبت لتحضير الفطور، وفي هذه الاثناء ارتدت رنا زيها المدرسي وتناولت فطورها وركبت مع امها السيارة لتوصلها الى المدرسة.
توقفت السيارة عند احدى التقاطعات المرورية، وبينما كانت طفلتنا تنظر من زجاج السيارة لمحت مجموعة من الاطفال تسرع الى السيارات الواقفة، هذا يرش الماء ويمسح زجاج السيارة متوقعا ان يأخذ بعض النقود، واخر يبيع الحلوى البسيطة ك(السمسمية)، او العلكة، او قطع القماش.
لكن ما اثار رنا منظر لطفلة في سنها تقريبا، اخذت تدنو من سيارتهم، بثياب رثة وايدي متسخة، وعيون تملؤها الدموع من وجع انياب الفقر والعوز والذل، اخذت تستجدي النقود.
نادت رنا امها ببراءة: امي ماذا تريد هذه البنت المتسخة؟! اين امها؟! لماذا لا تُرتب لها شعرها؟! وتغسل لها وجهها ويديها كما تفعلين انتِ؟!
تأثرت الام بأسئلة ابنتها، وأوقفت السيارة على جانب الطريق كي لا تُؤخر مرور بقية السيارات، ثم نادت تلك البنت البائسة بصوت حنون: يا بُنيتي تعالي الى هنا.
استجابت البنت على وجل، وقالت بصوت خافت:نعم يا خالة هل ناديتني؟
قالت الام: اين امك يا عزيزتي؟ لِمَ انتِ في الشارع؟ ولستِ في المدرسة؟
رجعت البنت الى الوراء قليلا كأن هذه الام امسكت بقلبها الصغير المكلوم، واغرورقت عيناها بالدموع
استغربت الام وارادت ان تسألها عن سبب بكائها..
فأسرعت البنت لبرائتها بالجواب وقالت: ماتت امي قبل اسبوع! لان ابي لم يستطع ان يجلب لها الدواء!
وانفجرت باكية بحرقة، والم، حتى ان الام بكت لبكائها، واحتضنتها، ورنا تنظر مدهوشة!
مسحت الام دموع الطفلة، وقالت لها بكل حب: انا مثل امك يا عزيزتي، اطلبي ما تريدين.
كانت رنا تشاهد هذا المنظر من زجاج السيارة وهي مدهوشة بما تراه من فعل امها مع الطفله الغريبة وغير المرتبة، وما زاد من دهشتها ان امها دعت الطفلة المتسولة لركوب السيارة قائلة: اركبي معنا السيارة لنوصل ابنتي الى المدرسة ثم نذهب معك لبيتك.
اوصلت الام ابنتها وقبلتها واوصتها ان تعتني بنفسها، وسألت رنا امها بشفقة: ماذا عن هذه الطفلة يا امي؟
قالت الام: يا حبيبتي الا تودين ان تكون لك اخت بنفس عمرك؟
اجابت بفرح وسرور: نعم يا امي الحبيبة نعم.
قالت الام: سأرتب الامر فاصبري.
وضعت ام رنا يدها على ظهر ابنتها بحنان/ كأي أم تشعر بمسؤولية العلم والتعلم وتدفع اولادها لينهلوا من نهره/ للمدرسة وعباب الافكار يلف راسها عن الاخت الجديدة.
انطلقت ام رنا الى بيت الطفلة اليتيمة، وكلمت والدها في ان تتكفل بكل احتياجاتها، شرط ان تترك التسول، وتذهب الى مدرستها؛ فهي ام وتعرف اهمية العلم واهمية ان يكون ابناء وطنها متعلمين، وان تأخذها بين حين واخر للتنزه مع ابنتها رنا.
وافق الاب مسرورا وشاكرا لهذه السيدة اللطيفة، داعيا لها بدموع جارية...
خرجت الام يوما للتنزه واخذت ابنتها رنا واختها اليتيمة، كانت فرحت رنا باختها لا توصف، تقربت لامها متسائلة: كم من الناس يحذوا حذوك يا امي الطيبة؟ لينتشل طفل او طفلة من الضياع؟، وان يجعل ابنته لها اخت ليس لها اب او ام؟
ردت الام وهي تحضن ابنتها واليتيمة بكل حنان ورأفة معا: نعم حبيبتي بدل ان نزجرهم اونرد ايديهم خالية الوفاض بحجج واهية، منها (لو انّا اعطيناهم فسوف يتعلمون على التسول)؟!
قالت طفلتنا: تكفل باحدهم ولا تعلمه التسول! ام ان الكلام سهل، والاعتراض فقط هو المعيار المناسب؟
قالت الام وصوتها يعلوه الالم: الحل هو مساعدة واحتواء المحتاجين والايتام.
واسترسلت قائلة:
الا نحب ان نكون مع الرسول كتف لكتف بكفالة يتيم؟!
الانحب ان نكون من الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه الكريم حيث قال(السابقون السابقون)؟!
الا نحب ان نكون جزء من تلك الاحلام الصغيرة الساكنة في عيونهم الباكية؟!
الا نحب ان ندخل الجنة في اغاثة ملهوف، او في قضاء حوائج الناس؟!
الا نحب ان تدعوا لنا الناس في ظهر الغيب؟!
ونُسارع الى جنات عرضها السموات والارض اعدت للمحسنين.
اندهشت رنا من كلام امها وقالت بتعجب: اكل هذا الجزاء لهذا العمل الصغير والناس لا يتسارعون لنيله والفوز به؟!
أقرأ ايضاً
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- كربلاء بعيونه هو.. كربلاء كما لم أعرفها من قبل
- عقول رائدة وعيون راصدة