- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أهدنا الصراط المستقيم / الجزء الأخير
بقلم: عبود مزهر الكرخي
ولو راجعنا ماكتبناه لوجدنا أن هذه الآية وحتى سورة الفاتحة مرتبطة كلها مرتبطة بعترة النبي الطاهرة وبالذات الأمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع). ومن هنا جاء هذا الرأي وهو:
الرأي الثالث:
وهو يتم تفسيره بأن هذه الآية تخص أمير المؤمنين(ع) والهداية الى ولايته وهذا هو ليس بغلو أو تطرف كما سيقال عن هذا الرأي ولكنه الحقيقة بأم عينها ولو رجعنا الى الاسانيد والدلائل التي تدعم ذلك لوجدناها كثيرة وليس لنا القدرة على الحصر والأدلة التي تدعم قولنا هذا ولكن سنحاول الإحاطة بهذه الأحاديث وأخذ الزبدة منها قدر الامكان.
فمن تلك الروايات، ما ذكره محمّد بن أحمد القمّي، المعروف بـ(ابن شاذان) في كتابه (مائة منقبة): ((حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه(رحمه الله), قال: حدّثني علي بن الحسن النحوي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد, قال: حدّثني منصور بن أبي العبّاس, قال: حدّثني علي بن أسباط, عن الحكم بن بهلول, قال: حدّثني أبوهما، قال: حدّثني عبد الله بن أُذينة, عن جعفر بن محمّد, عن أبيه, عن علي بن الحسين, عن أبيه، قال: قام عمر بن الخطّاب إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: إنّك لا تزال تقول لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون [من موسى] وقد ذكر [الله] هارون في القرآن ولم يذكر عليّاً(عليه السلام)؟ فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا غليظ يا أعرابي! أما تسمع قول الله تعالى: ((هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ))(1)، (2).
وفي كتاب (بصائر الدرجات)، قال: ((حدّثنا أبو محمّد، عن عمران بن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط، عن محمّد بن فضيل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي عبد الله(عليه السلام): ((هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ)), قال: { هو والله عليّ، هو والله عليّ الميزان والصراط }(3).
وفي (تفسير العيّاشي): ((عن أبي جميلة، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أخيه، عن قوله: ((هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُستَقِيمٌ))؟ قال: هو أمير المؤمنين(عليه السلام)))(4).
في كتاب (ألقاب الرسول)، قال: ((وبالإسناد عن محمّد بن أبي ثلج، نا يوسف بن موسى العطار، عن وكيع بن الجراح الجناح، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (قال لي ربّي تبارك وتعالى: إنّي أنا العليّ الأعلى، اشتققت اسم عليّ من اسمي فسمّيته: عليّاً، ثمّ أنزل علَيَّ بعقب ذلك: { وَوَهَبنَا لَهُم مِن رَحمَتِنَا وَجَعَلنَا لَهُم لِسَانَ صِدقٍ عَلِيّاً }(5).
في (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق: ((حدّثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم - رحمه الله - قال: حدّثنا أبي, عن جدّي, عن حمّاد بن عيسى, عن أبي عبد الله(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }(6)؟ قال: هو أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعرفته, والدليل على أنّه أمير المؤمنين(عليه السلام): قوله عزّ وجلّ: { وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }(7)، وهو أمير المؤمنين(عليه السلام)في أُمّ الكتاب في قوله عزّ وجلّ: { اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }(8).
وفي كتاب (شرح الأخبار) للقاضي النعمان:{ العلا, قال: سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد(عليه السلام) عن قول الله تعالى: ((وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَينَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) ؟ قال: هو أمير المؤمنين عليّ (صلوات الله عليه)، أُوتي الحكمة وفصل الخطاب، وورث علم الأوّلين، وكان اسمه في الصحف الأُولى، وما أنزل الله تعالى كتاباً على نبيّ مرسل إلاّ ذكر فيه اسم رسوله محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) واسمه، وأخذ العهد بالولاية له(عليه السلام) }(9).
في حديث وكيع، قال أبو سعيد: يا رسول الله، ما معنى براءة عليّ (عليه السلام) ؟ قال: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، عليّ وليّ الله(10).
ويمكن حمل الآية على العموم فتكون بذلك شاملة للكل لأن الصراط المستقيم هو الدين الذي أمر الله به من التوحيد والعدل وولاية واجبي الطاعة.
ولاينكر أحد حينما نقول بان الآية شاملة لأهل البيت عليهم السلام، فمن الذي أكثر استحقاقاً لنعم الله لقوله (الذين أنعمت عليهم) ولقوله { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }(11)؟.
أليسوا هم من الصديقين والشهداء والصالحين وأنهم خير البرية { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ }(12)، وهم أهل بيت النبوة.
ولهذا عد أن يُقرّ الإِنسان بالتسليم لربّ العالمين، ويرتفع إلى مستوى العبوديّة لله والاستعانة به تعالى، يتقدّم هذا العبد بأوّل طلب من بارئه، وهو الهداية إلى الطريق المستقيم، طريق الطّهر والخير، طريق العدل والإِحسان، طريق الإِيمان والعمل الصالح، ليهبه الله نعمة الهداية كما وهبه جميع النِّعم الأخرى. والإِنسان في هذه المرحلة مؤمن طبعاً وعارف بربّه، لكنّه معرّض دوماً بسبب العوامل المضادّة إلى سلب هذه النعمة والانحراف عن الصراط المستقيم. من هنا كان عليه لزاماً أن يُكرِّر عشر مرّات في اليوم على الأقلّ طلبه من الله أن يقيه العثرات والانحرافات.
أضف إلى ما تقدّم أنّ الصراط المستقيم هو دين الله، وله مراتب ودرجات لا يستوي في طيّها جميع النّاس، ومهما سما الإِنسان في مراتبه، فثمّة مراتب أُخرى أبعد وأرقى، والإنسان المؤمن توّاق دوماً إلى السير الحثيث على هذا السلّم الارتقائيّ، وعليه أن يستمدّ العون من الله في ذلك.
ومن هنا كان لابد للعبد من معرفة طريق الهداية وروى الحافظ الحسكاني عن عدّة من الصحابة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم أنّ عليّاً هو «الصراط المستقيم»، ومن ذلك ما رواه بسنده عن الحافظ ابن أبي حاتم، قال: «حدّثنا هارون بن إسحاق، قال: حدّثني عبدة بن سليمان، قال: حدّثنا كامل بن العلاء، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير:
عن ابن عبّاس، قال: { قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله لعليّ بن أبي طالب: أنت الطريق الواضح، وأنت الصراط المستقيم، وأنت يعسوب المؤمنين }(13). يمَا رَوَاهُ أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ رِوَايَة الْحَارِث الْأَعْوَر عَنْ عَلِيّ مَرْفُوعًا " وَهُوَ حَبْل اللَّه الْمَتِين وَهُوَ الذِّكْر الْحَكِيم وَهُوَ الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم" وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
هذا، ولا يخفى أنّ «عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي» من كبار أئمّة القوم في الحديث والتفسير والرجال؛ قال الذهبي: «قال أبو يعلى الخليلي: أخذ أبو محمّد علم أبيه وأبي زرعة، وكان بحراً في العلوم ومعرفة الرجال، صنّف في الفقه، وفي اختلاف الصحابة والتابعين وعلماء الأمصار، قال: وكان زاهداً، يعدّ من الأبدال».
وذكر الذهبي عن أبي الحسن الرازي الخطيب: «سمعت عبّاس بن أحمد يقول: بلغني أنّ أبا حاتم قال: ومن يقوى على عبادة عبدالرحمن! لا أعرف لعبد الرحمن ذنباً».
وقال الذهبي ـ في ذكر كتبه ـ: «وله تفسير كبير، في عدّة مجلّدات، عامّته آثار بأسانيده، من أحسن التفاسير»(14).
قلت: وقد أثنى ابن تيميّة على تفسير ابن أبي حاتم، حيث ذكره في عداد التفاسير المعتبرة المقبولة فقال: «أهل العلم الكبار أهل التفسير، مثل الطبري، وبقيّ بن مخلّد، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأمثالهم، لم يذكروا الموضوعات».
وقال عن الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر وجماعة: «الّذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمّنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير»(15).
وروى الحافظ الحسكاني بأسانيد فيها جمع من الأئمّة الأعلام ـ كعبد الرزّاق بن همّام، والثوري، والمطيّن، والحاكم النيسابوري ـ عن حذيفة بن اليمان، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «وإن تولّوا عليّاً تجدوه هادياً مهدياً يسلك بكم الطريق المستقيم»(16).
وقال الحاكم الحسكاني الحافظ:
«حدّثني أبو عثمان الزعفراني، قال: أخبرنا أبو عمرو السناني، قال: أخبرنا أبو الحسن المخلّدي، قال: حدّثنا يونس بن عبدالأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم:
عن أبيه، في قول اللّه تعالى: (صراط الّذين أنعمت عليهم) قال: النبيّ ومن معه، وعليّ بن أبي طالب وشيعته»(17).
ولهذا كان الكثير من احاديث الرسول الأعظم محمد(ص) تؤكد على منزلة الأمام وانه الحق والذي يجب أتباعه والقبول بولايته ومن هنا قال الرسول (ص) حيث روي عن أبي ذرّ وسلمان: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ـ وقد أخذ بيد عليّ ـ: " إنّ هذا أوّل مَن آمن بي، وهذا أوّل مَن يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأُمّة، يفرّق بين الحـقّ والباطل، وهذا يعسـوب المؤمنين، والمال يعسـوب الظالمين "(18).
ولهذا جعله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مناراً وعلامة للهدى عند اختلاف الناس في المسالك ; فقد أخرج الديلمي عن عمّار وأبي أيّوب: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمّار: " يا عمّار! إذا رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسْلك مع عليّ ودع الناس ; فإنّه لن يدلّك على ردىً، ولن يخـرجك من هـدىً "(19).
وهذه الأحاديث والمرويات أغلبها من علماء أهل السنة والجماعة والتي تدل بولاية امير وانه الحق والذي يسير الحق مع أينما دار ولتقر بأن هذه الآية هي تعود للأمام علي(ع) وولاية أمير ومن بعده أهل بيته والتي هذه السورة أي سورة الفاتحة كانت وكما قلنا من قبل سورة عظيمة لم تدانيها أي من السور الأخرى ولتشكل خصوصيتها باهل البيت والأمام علي(ع) ولتشكل علامة فارقة في افتتاح كتاب الله المجيد بسورة أم الكتاب ومدى عظمتها في أنها كانت خاصة بأمير المؤمنين وأهل بيته الطيبين والتي أكد على ذلك نبينا الأكرم محمد(ص) والذي لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى. ونحن قدمنا من الحجج والقرائن بما لا يدع مبحثنا هذا والموضوع الذي بحثنا فيه بما لا يشكل اي لبس أو غموض، ونسأل من الله العلي القدير أن نكون قد وفقنا في ذلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [ الحِجر:41 ].
2 ـ مائة منقبة:160 المنقبة (85)، كذا مناقب آل أبي طالب 2: 302. مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص302 وغيره.
3 ـ بصائر الدرجات للصفّار: 532 الباب (18) النوادر في الأئمّة(عليهم السلام).
4 ـ تفسير العيّاشي 2: 242 في تفسير الآية.
5 ـ ألقاب الرسول: 20 في ميلاد عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وانظر: شواهد التنزيل للحسكاني 1: 463 الحديث (488).
6 ـ [ الفاتحة:6 ].
7 ـ [ الزخرف: 4 ].
8 ـ معاني الأخبار: 32 - 33 باب معنى الصراط، تفسير القمّي 1: 28 سورة الفاتحة.
9 ـ شرح الأخبار 1: 244 ولاية عليّ(عليه السلام).
10 ـ مناقب آل أبي طالب 2: 156.
11 ـ [ النساء 69 ].
12 ـ [ البينة 7 ].
13 ـ شواهد التنزيل 1: 58 / 88.
14 ـ سير أعلام النبلاء 13: 264 و 265.
15 ـ منهاج السُنّة 7: 13 و ص 179.
16 ـ شواهد التنزيل 1: 61 ـ 65.
17 ـ شواهد التنزيل 1: 66 / 105.
18 ـ المعجـم الكبير 6 / 296، تاريـخ دمشـق 42 / 42، كنز العمّال 11 / 616، درّ السحابة: 205 بلفظ: " هذا يعسـوب المؤمنين، والمال يعسـوب المنافقين " ; قال الشوكاني: أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد رجاله ثقات. انتهى..
واليعسـوب: ملك النحـل، ومنه قيل للسـيّد: يعسـوب قومه ; الصحاح ـ للجوهري ـ 1 / 181.
وله شاهد من قول عليّ (عليه السلام)، رواه ابن ماجة في السُـنن 1 / 44، 49، وهو: " أنا عبـد الله وأخو رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب، صلّيت قبل الناس لسبع سنين " ; قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 102: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، والبزّار والطبراني في الأوسـط، وإسناده حسن.
19 ـ تاريخ بغداد 13 / 188، تاريخ مدينة دمشق 42 / 472، كنز العمّال 11 / 614 يخرجه عن الديلمي، عن عمّار بن ياسر وعن أبي أيّوب..
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول