- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأمام علي الهادي(عليه السلام) وألق النبوة
بقلم: عبود مزهر الكرخي
هل يكون الطفل نبياً
وحدث هذا في عهد النبي عيسى(ع)عندما جاءت بطفلها المسيح فثارت ثائرة نساء ورجال بني إسرائيل وعنفوها ووبخوها واتهموها بشتى التهم ولكنها أشارت اليه فقالوا لها كيف نكلم من كان في المهد صبياً؟ عند ذلك كلمهم وهو في المهد وقال: أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً. فنطق بكلام بليغ وفصيح وبقدرة من الله سبحانه وتعالى وعند ذلك بهت كل من افترى على مريم العذراء(ع) واسقطت كل حججهم في أيديهم. وبعده بفترة جاء النبي يحيى بن زكريا(ع) وأتاه له النبوة وهو طفل مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا }(1).
ومن هنا كانت النبوة ويهبها جل وعلا الى من كان طفلاً أو صبياً لم يكن أمر مستحيل أو غير وارد عند رب السماوات والأرض لأنه القادر على كل شيء وهو يفعل كل ذلك بحكمة ودراية وإلا من يقول غير ذلك فهو يشك في الذات الآلهية وقدراتها وهذا مخالف لناموس الكون وقدرة الخالق لهذا الناموس على كل شيء.
ليحدث هذا في عترة نبينا الأكرم محمد(ص) في أبنه محمد الجواد(ع) حيث كان طفلاً وظهرت عليه علائم الإمامة وآمن به المأمون العباسي وتحدى بشخصية الإمامة التي يحملها علماء العباسيين وفقهاءه، ومناظرة الأمام الجواد مع قاضي القضاة يحيى بن أكثم وما جرى فيها
لهي أكبر دليل على ما نقول ليصبح الحلقة الذهبية التاسعة في سلسلة الإمامة، وهي تمثل بحق معجزة الأمامية ودليل على صدق دعواهم في أن الإمامة منصب إلهي دون أن يكون للبشر فيها أي مداخلية، فإمامته تشابه نبوة عيسى عليه السلام وكذلك يحيى. لقد تولى مولانا الإمام الجواد عليه السلام منصب الولاية والإمامة عن عمر لم يتجاوز سبع سنوات. وقد سلم لذلك القريب والبعيد، ودان كل شيء له حتى الخليفة.
وبعد هذه المناظرة ليعترف المأمون ويقول: « ويحكم إن أهل هذا البيت خِلْوٌ من هذا الخلق! أوَمَا علمتم أن رسول الله بايع الحسن والحسين وهما صبيَّان غير بالغين، ولم يبايع طفلاً غيرهما! أَوَ مَا علمتم أن علياً آمن بالنبي وهو ابن عشـر سنين، فقبل الله ورسوله منه إيمانه، ولم يقبل من طفل غيره، ولادعا النبي طفلاً غيره إلى الإيمان! أوَ مَا علمتم أنها ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم»(2).
فكان الإمام الجواد أول إمام من أهل البيت يتحمل أعباء الإمامة في السابعة، أما علي والحسنان (عليهم السلام) فكانوا أئمة وهم صغار، لكنهم كانوا في ظل النبي (صلى الله عليه وآله). وليزوجه المأمون بعد هذه المناظرة من ابنته ام الفضل من الامام الجواد(ع). وبعد الإمام الجواد تحمل الإمامة ابنه علي الهادي (عليه السلام) وكان عمره نحو سبع سنين أيضاً، فكان الإمام الثاني صغير السن. ثم تركه يعود الى المدينة، وكانت الشيعة ترجع اليه من أنحاء البلاد. وعاش الإمام الجواد (عليه السلام) في المدينة، وفي سن الثامنة عشرة تزوج جارية مغربية مؤمنة، هي السيدة سمانة رضي الله عنها، متناسياً زوجته بنت المأمون.
وبعد سنة أي سنة 212، رزقه الله منها ابنه علياً الهادي (عليه السلام)، ثم ابنه موسى، وثلاث بنات: خديجة، وحكيمة، وأم كلثوم (3).
روى الطبري عن محمد بن الفرج، عن السيد (عليه السلام) أنه قال: «أمي عارفة بحقي وهي من أهل الجنة، لايقربها شيطانٌ ماردٌ، ولا ينالها كيدُ جبارٍ عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين»(4).
ومات المأمون وحكم بعدها أخوه المعتصم ثمان سنوات وكان يسمى الحاكم(الخليفة المثمن) بعد أن خلع العباس أبن المأمون وبعد ذلك ليعتقله ثم ليقتله وكان القاضي أحمد بن أبي دؤاد مستشار المعتصم ومدبِّر أموره هو الذي دبر كل ذلك وقام بتنصيب المعتصم. وقد أقنع ابن دؤاد المعتصمَ بأن لا يقع في خطأ المأمون في الإمام الجواد فيعترف بإمامة ابنه الهادي (عليهما السلام)، بل عليه أن ينكر إمامته ويعمل للتخلص منه!(5).
الإمام الهادي (عليه السلام) عرف بشهادة أبيه في بغداد
أحضر المعتصم الإمام الجواد (عليه السلام) سنة 220، الى بغداد، وسَمَّهُ بواسطة زوجته بنت المأمون! وكان الإمام الهادي في المدينة، فَعَرَفَ بقتل أبيه وعمره سبع سنين وأخبر أهله وأمرهم بإقامة المأتم، وذهب بنحو الإعجاز الرباني الى بغداد لتجهيز جنازة أبيه والصلاة عليه، ورجع الى المدينة في ذلك اليوم!(6).
روى: «عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر (عليهما السلام) فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضـى أبو جعفر! فقيل له: وكيف عرفت؟ قال: لأنه تداخلني ذِلَّةٌ للهِ لم أكن أعرفها»(7).
وكان المعتصم شديد البغض للأمام علي الهادي وقرر أن يضيق عليه فوضعه تحت الإقامة الإجبارية في المدينة ليكون تحت عيونه وبواسطة أزلامه في المدينة. ونفذ المعتصم سياسته مع ابنه الهادي (عليه السلام) فأنكر أن يكون إماماً أوتيَ العلم صبياً كأبيه،
وقد هجاه دعبل الخزاعي بالأبيات التالية لكره الناس للمعتصم وبغضه لأهل البيت:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة***ولم يأتنا في ثامن منهم الكُتْبُ
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة***غداة ثَوَوْا فيه وثامنهم كلب
وإنّي لأزهى كلبهم عنك رغبةً***لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
لقد ضاع أمر الناس حيث يسوسهم***وصيف واشناس وقد عظم الخطب(8).
وقرر أن يعامله على أنه صبيٌّ صغير، حتى لا يُفْتَن به الناس كما فُتنوا بأبيه. وأوفد وزيره عمر بن الفرج الرخجي الى المدينة ليرتب حبس الإمام الهادي (عليه السلام) عن الناس، بحجة كفالته وتعليمه!
وقام الرُّخَّجي بالمهمة، وحبس الهادي (عليه السلام) في بيت جده الكاظم (عليهما السلام)، الذي يقع خارج المدينة، ليمنعه من الاتصال بشيعته، وعين له الجنيدي «ليعلمه» العربية والأدب بزعمه، وأمر والي المدينة أن ينفذ أوامره، ويقدم له كل ما يحتاج!
عن محمد بن سعيد، قال: « قدم عمر بن الفرج الرُّخَّجي المدينة حاجاً بعد مضي أبي جعفر الجواد (عليه السلام) فأحضـر جماعة من أهل المدينة والمخالفين المعادين لأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لهم: أُبْغُوا لي رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم، لا يوالي أهل هذا البيت، لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه!
فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم، ظاهر الغضب والعداوة «لأهل البيت»! فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان، وتقدم إليه بما أراد وعرفه أن السلطان «المعتصم» أمره باختيار مثله، وتوكيله بهذا الغلام(9) .
قال: فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن (عليه السلام) في القصر بِصِـرْيَا «بيت الإمام في مزرعة صريا بضاحية المدينة» فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله، وأخذ المفاتيح إليه! فمكث على هذا مدة، وانقطعت الشيعة عنه وعن الإستماع منه والقراءة عليه(10) .
والظاهر أن الجنيدي هذا قد تشيع على يد الإمام الهادي (عليه السلام)، وثبت على تشيعه وسكن بغداد، وأنه هو الذي ذكره الصدوق، فيمن رأى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، قال: « ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطار. ومن الكوفة: العاصمي. ومن أهل الأهواز: محمد بن إبراهيم بن مهزيار. ومن أهل قم: أحمد بن إسحاق. ومن أهل همدان: محمد بن صالح. ومن أهل الري: البسامي والأسدي يعني نفسه. ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء. ومن أهل نيسابور: محمد بن شاذان. ومن غير الوكلاء من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس، وأبو عبد الله الكندي، وأبو عبد الله الجنيدي، وهارون القزاز..الخ.»(11).
وعن محمد بن سعيد ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له: ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه؟ فقال منكراً عليَّ: تقول الغلام، ولا تقول الشيخ الهاشمي! أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني؟ قلت: لا. قال: فإني والله أذكر له الحزب من الأدب، أظن أني قد بالغت فيه، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه، ويظن الناس أني أُعلمه، وأنا والله أتعلم منه!.
لتفشل بعد ذلك كل خطط المعتصم في طمس انوار النبوة والإمامة عن أهل البيت، بدليل أن الجنيدي المسؤول عن حصاره، انبهر بعلمه (عليه السلام) وشخصيته، وآمن بأنه حجة الله على أرضه. فمن الطبيعي أن يُسهِّلَ ذلك على شيعته وعامة الناس، أن يكسروا محاصرته، خاصةً في موسم الحج(12) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1 ـ [مريم: 12 - 15].
2 ـ الاختصاص/98.
3 ـ دلائل الإمامة/397.
4 ـ في دلائل الإمامة/410.
5 ـ إمام علي الهادي (عليه السلام) عمر حافل بالجهاد والمعجزات بقلم: علي الكوراني العاملي الطبعة الأولى: 1434- 2013. موقع علي الكوراني العاملي. المقدمة.
6 ـ نفس المصدر.
7 ـ في الكافي «1/381»
8 ـ كتاب تاريخ الخلفاء. بواسطة أبو بكر السيوطي ص 261. حققه وقدم له قاسم الشماعي الرفاعي والشيخ محمد العثماني باب المعتصم بالله. من منشورات كتب غوغل بلي.
9 ـ روى المسعودي في دلائل الإمامة/230،
10 ـ إمام علي الهادي (عليه السلام) عمر حافل بالجهاد والمعجزات بقلم: علي الكوراني العاملي الطبعة الأولى: 1434- 2013. موقع علي الكوراني العاملي.
11 ـ الصدوق في كمال الدين/442.
12 ـ المسعودي في دلائل الإمامة/230
,
or
أقرأ ايضاً
- التسرب من التعليم
- كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟ (الحلقة 7) التجربة الكوبية
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2