عباس الصباغ
يُعَرَّف العنف الأسري قانونيًا بأنه الأفعال التي يقوم بها أحد أعضاء الأسرة، ويُلحق ضررًا ماديًا أو معنويًا أو كليهما بأحد أفرادها، وللعنف الاسري اسباب منها الفقر وسوء الحالة المعيشية والبطالة والظروف النفسية المعقدة في حدوثه، ومن المؤسف له ان يتعثر ويتعرقل سنّ قانون تجريم العنف الاسري في اروقة السلطة التشريعية ولأكثر من ست سنوات ويرحّل لأكثر من دورة برلمانية دون سبب معقول، ومن المؤلم ايضا ان يتعرض هكذا قانون مهم يتعلق بالأسرة العراقية الى التجاذبات والمماحكات السياسية من قبل هذه الكتلة البرلمانية او تلك، بل وان البعض منها مازال يتردد في تمرير هكذا قانون خشية عدم قبوله اجتماعيا او قد تتعارض بنوده مع بعض النصوص الفقهية او مبادئ حقوق الإنسان او مع قوانين اخرى سابقة ومعمول حاليا بها كالمادة 41 من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩، وهي اجمالا اسباب لم تعد مقنعة للشارع العراقي الذي صار يطالب بتشريع قانون ملزم لمكافحة العنف الاسري مع تزايد حالاته التي وصلت الى حدود مخيفة ، والمؤسف له اكثر ان لايلقى موضوع التعنيف الاسري وقانون تجريمه الاهتمام الكافي سواء من قبل وسائل الاعلام او من منظمات المجتمع المدني او من لدن مراكز البحوث والدراسات المجتمعية وحتى من قبل فقهاء القانون إلاّ ماندر، وهو موضوع حيوي وحساس يخصّ اللبنة الاساسية الاولى للمجتمع العراقي وهي الاسرة ورغم مايرد في بعض قنوات الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي من اخبار مؤسفة من أحداث مروّعة للعنف الاسري يذهب ضحيتها بالدرجة الاساس الاطفال والنساء وكبار السن وصلت في بعض الاحيان الى درجة القتل كما حصل للطفلة (رهف) وأحدثت هكذا أخبار صدمة كبيرة في المجتمع العراقي مع تزايد المطالبة بوضع معالجة قانونية عاجلة لها، وصرنا نسمع ونرى امورا لم نكن نسمع بها او نراها من قبل عن قضايا تعنيف اسري فصارت الحاجة ماسّة الى تفعيل وسنّ قانون لتجريم فاعليها واخذ الحق القانوني والاعتباري لضحاياها الذين لاحول ولاقوة لهم، وهي ظواهر تبدو في مجملها غريبة وشاذة عن المجتمع العراقي المحافظ الذي عُرف برصانته وتماسكه الاسري وتوادّه العائلي ومع هذا بدأت هذه الظواهر تتفشى فيه وتستفحل بشكل لافت للنظر كرمي كبار السن الى الشوارع او استعمال القوة المفرطة ضد الاطفال والنساء لأسباب غير مفهومة فصارت تستدعي تدخّل الجهات التنفيذية لمعالجتها والحدّ منها قبل ان تستحيل الى ظاهرة اعتيادية ومقبولة وقبل هذا وذاك يجب ان تُدعم تلك الجهات بنصوص قانونية تستمد من الدستور العراقي على ان لاتتعارض مع الثوابت المجتمعية والعرفية الخاصة بالمجتمع العراقي.
ومن المؤلم ان يكون قانون تجريم العنف الاسري في اسفل اهتمامات السلطة التشريعية التي يجب ان تأخذ على عاتقها صيانة النسيج المجتمعي العراقي وتجعله ضمن اولوياتها كأي قضية سياسية او امنية او اقتصادية فالجانب الاجتماعي لايقلّ خطورة عن تلك الجوانب إن لم تكن اخطر منها إن كانت تتعلق بأمن المجتمع الذي يكون اساسا لأمن الدولة، وان التعنيف الاسري ظاهرة خطيرة يمتد اثرها الى امن المجتمع باسره، فامن المجتمع هو من أمن الاسرة والعكس صحيح لذا على السلطة التشريعية ان تنظر بعين الاهتمام الكافي بملف الاسرة العراقية وتحميها من التعنيف الاسري وعليها ان تراجع القوانين السابقة التي تتعلق بالأسرة وسلوك افرادها وتعدّل نصوصها كي تتناسب مع المرحلة التي يعيش فيها المجتمع العراقي والمستجدات التي المّت به خاصة بعد التغيير النيساني المزلزل وتطور التقنيات الاعلامية والتواصلية والذي بلغ حدودا غير مسبوقة وتأثير هذه الامور على الواقع المجتمعي العراقي، فالكثير من القوانين السابقة والمعمول بها لم تعد ملائمة للواقع الاجتماعي العراقي كونها شُرّعت في ظرف اخر يختلف عن الظرف الراهن كقانون رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ الذي يعطي الضوء الاخضر لممارسة العنف الاسري دون رادع حقيقي ومازال، فالمطلوب هو تفعيل قانون يراعي خصوصية المجتمع العراقي وينتشله من التعنيف الاسري والكرة الان في ملعب البرلمان.
وان غدا لناظره قريب...
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- جريمة عقوق الوالدين "قول كريم بسيف التجريم"
- حماية الطفولة من عبث تجار العنف