- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل تحتاج واشنطن إلى العراق لمراقبة إيران؟
بقلم: مشرق عباس
تبدو الإجابة بديهية ومباشرة؛ الولايات المتحدة لا تحتاج إلى العراق فعليا لا لمراقبة طهران، ولا حتى لمهاجمتها لو أرادت ذلك. ومع أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتوقف يوما عن التأكيد أنها لن تسمح بتحويل العراق إلى منصة لمهاجمة إيران، فإن هذه القضية تتحول إلى جوهر علاقات العراق مع طهران التي لا تقل غموضا عن علاقاته مع واشنطن.
ومع تجاوز قرار احتلال العراق الذي يتم الاعتراف بشكل متصاعد بأنه من بين أسوأ القرارات الأميركية، فإن الصورة الأكثر بروزا في العلاقات العراقية ـ الأميركية، هي أن واشنطن لم تسع إلى نقل هذا البلد من كونه ساحة حرب إلى مساحة مصالح. فلم تؤسس واشنطن شبكة اقتصادية حقيقية في العراق قبل الانسحاب نهاية عام 2011 وحتى اليوم، ولم تضمن منظومة نفوذ وعلاقات سياسية راسخة، كما أنها لم تحظ بحلفاء عراقيين حقيقيين على غرار ما فعلت إيران وكل دول المنطقة! ومن البديهي أنها أيضا لم تستثمر اتفاق الإطار الاستراتيجي بين البلدين لتحويل العراق إلى حليف أساسي في الشرق الأوسط.
ولهذا فإن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول ضرورة بقاء القوات الأميركية في العراق لمراقبة إيران، مثل مكافأة لطهران أكثر من كونه تهديدا، فيما أن أكثر القوى تطرفا ضد الوجود الأميركي في العراق وأكثرها قربا من إيران، ما زالت تتحدث عن نطاق تعاون عسكري واقتصادي مع واشنطن في إطار تصنيفات مثل “التدريب” و”التأهيل” و”التعاون الاقتصادي” و”الثقافي” و”العلمي” و”السياسي” وكلها مفردات وردت في اتفاق الاطار الاستراتيجي بين الجانبين، لأن هذه القوى، وإن كان بعضها يرتبط بعلاقة أمومية مع إيران فإن مصالحها الخاصة تتضارب مع فرضية منح إيران دورا أكبر من دورها الحالي في بغداد.
الأسئلة الأساسية التي يجب أن تطرح في هذا المجال، يستند جلها لفلسفة الإدارة الأميركية الحالية، التي تؤكد عدم حماستها للتدخل العسكري الخارجي المباشر، وميلها إلى عقد صفقات ذات طابع اقتصادي مع دول العالم، وهي فلسفة كان بالإمكان أن تكون نقطة تحول في الفهم الأميركي لدور العراق الاستراتيجي في صنع التوازن في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، ويمكن لهذا الدور أن يتحقق فعلا عبر حلف استراتيجي حقيقي، وليس من خلال الإعلانات العسكرية.
الخطوة الأولى كان يجب أن تتوجه نحو تشجيع القرار العراقي ليكون أكثر استقلالية عن الهيمنة السياسية الإيرانية وأي هيمنة أخرى بالضرورة، وهذه مهمة ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إدراكا عميقا لمعنى أن يتم التأسيس لدولة حقيقية في العراق، بعيدا عن أخطاء سنوات الاحتلال الكارثية.
هذا الطريق هو الوحيد المتاح ليس لاستعادة العراق كعامل استقرار في المنطقة والعالم، بل وقبل ذلك لضبط توازن القوى في الشرق الأوسط الذي اختل وما زال مختلا بخروج العراق من حلبة لاعبيه عام 2003، وهذا الخروج وما تبعه هو أساس الخلل الذي دفع بإيران للتمدد الجيوسياسي اليوم لتصبح على حافة مواجهة مدمرة مع الولايات المتحدة، لا يأمل الطرفان كما لا تأمل دول المنطقة في الوصول إليها.
وبالعودة إلى السؤال الافتتاحي، فإن واشنطن التي تمتلك قدرات عسكرية وعلمية هائلة، لن تحتاج إلى قاعدة “عين الأسد” العسكرية في غرب العراق لتنفيذ هجمات ضد إيران أو لمراقبتها، لكن إيران هي من تحتاج إلى وجود هذه القاعدة للاستمرار في إضعاف فرص ولادة القرار العراقي وتبرير سياسات مد النفوذ التي لم تنتج حتى لطهران نفسها مكاسب استراتيجية حقيقية. ومن امثال ذلك إعلان وكالة أنباء “فارس” الإيرانية الجمعة (21 شباط/فبراير) نقلا عن قائد القوة الجوية للحرس الثوري العميد أمير علي حاجي زادة أن “قواته تمكنت عبر طائرة مسيرة من اختراق مراكز السيطرة والقيادة للقوات الأميركية في سوريا والعراق وحصولها على معلومات سرية مهمة منها”.
بالإمكان توجيه اللوم إلى الحكومة العراقية، لصمتها إزاء هذا الإعلان الإيراني الصريح عن نشاط عسكري غير مصرح به تقوم به فوق الأراضي العراقية، لكن لن يكون ذلك مفيدا، قبل أن تتجه الولايات المتحدة أولا إلى إعادة تعريف علاقاتها مع العراق في نطاق يضمن الشفافية والوضوح والتأسيس لقرار عراقي غير خاضع لا لواشنطن ولا لطهران.
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟