- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
فاطمة الزهراء(عليها السلام) النور الرباني المتألق / الجزء الثامن
بقلم عبود مزهر الكرخي
المراجعات مع أمير المؤمنين (عليه السلام)
وفي هذا الجزء سوف نراع كثرة المراجعات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) وتختلف الروايات في ذلك ولكن ومن خلال أيرادنا هذه المواضيع تبين لنا أهمية الدور الذي قام به عمر وكيف قيادته الجموع لأخذ البيعة لأبي بكر ومحاربة كل من يتخلف عن ذلك وهذا ماصرح عنه أمير المؤمنين بصراحة في الهجوم الأول ومطالبة عمر البيعة لأبي بكر بقوله ((احلب حلباً لك شطره، اشدد له اليوم ليردّ عليك غداً، إذاً والله لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك.. ولا أُبايع)) وهي مقولة مسنودة من قبل كل المصادر التاريخية وكذلك نبين مدى فظاظة الخلق لعمر والتي كان يعرفها كل الصحابة والتي سوف نؤشر عليها بالخط لتأكيد على ماذهبنا إليه في خلق عمر، ولندخل في هذه المراجعات.
ثم إن عمر أتى أبا بكر فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة(1)؟ فإنّ الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر(2)..!
وفي رواية سلمان: أرسل إلى علي فليبايع، فإنّا لسنا في شيء حتّى يبايع.. ولو قد بايع أمنّاه.(3)
وفي رواية: يا هذا! ليس في يديك شيء منه مالم يبايعك علي، فابعث إليه حتّى يأتيك فيبايعك، فإنّما هؤلاء رعاع..
(ونلاحظ هنا أنه يخاطب الخليفة والذي هو نصبه بهذا كما يقول على وهم الصحابة بالرعاع)
فبعث إليه قنفذاً فقال له: اذهب فقل لعليٍّ: أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فذهب قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر: قال لك: " ما خلّف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحداً غيري(4)، لسريع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".(5)
وفي رواية ابن عباس: قال علي (عليه السلام): " ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وارتددتم، والله ما استخلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غيري، فارجع ـ يا قنفذ ـ فإنّما أنت رسول، فقل له: قال لك علي (عليه السلام): " والله ما استخلفك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّك لتعلم مَنْ خليفة رسول الله "، فأقبل قنفذ إلى أبي بكر فبلّغه الرسالة فقال أبو بكر: صدق علي..! ما استخلفني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).(6)
فرجع قنفذ، فقال عمر: ارجع إليه فقل: خليفة المسلمين يدعوك. فردّ قنفذ إلى عليّ فأدّى الرسالة، فقال علي (عليه السلام): " من استخلف مستخلفاً فهو دون من استخلفه، وليس للمستخلَف أن يتأمّر على المستخلِف.. " فلم يسمع له ولم يطع.(7)
فبكي أبو بكر طويلاً(8). فغضب عمر ووثب وقام، وقال: ألا تضمّ هذا المتخلّف عنك بالبيعة..؟! فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ: اذهب إليه فقل له: أجب أمير المؤمنين أبا بكر.. فأقبل قنفذ حتّى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة، فقال: " كذب والله! انطلق إليه فقل له: لقد تسمّيت باسم ليس لك، فقد علمت أنّ أمير المؤمنين غيرك.. " فرجع قفنذ فأخبرهما.(9)
فقال أبو بكر: اجلس! فأبى، فأقسم عليه فجلس، ثمّ قال: يا قنفذ! انطلق فقل له: أجب أبا بكر.. فأقبل قنفذ فقال: يا علي! أجب أبا بكر، فقال علي (عليه السلام): " إنّي لفي شغل عنه، وما كنت ُ بالذي أترك وصيّة خليلي وأخي وأنطلق إلى أبي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور ".(10)
أقول: يستفاد من ظاهر بعض الروايات وقوع الهجوم الأخير في هذا اليوم، لذكره عقيب هذه المراسلات، كما يظهر من كلام المسعودي، ولكن روى سليم عن سلمان أنّ إرسالهم كان بعد عرض القرآن عليهم قال سلمان: لما بعث إليه علي (عليه السلام): " إني مشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي برداء إلاّ للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه.. " سكتوا عنه أياماً، فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته: " أيّها الناس! إنّي لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغولاً بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسول آية منه إلاّ وقد جمعتها، وليست منه آية إلاّ وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلّمني تأويلها.. ".
ثم قال علي (عليه السلام): "لئلا تقولوا غداً إنّا كنا عن هذا غافلين، لا تقولوا يوم القيامة إنّي لم أدعُكم إلى نصرتي.. ولم أُذكّركم حقّي.. ولم أدعُكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ".
فقال له عمر: ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه!
ثم دخل علي (عليه السلام) بيته(11). ثم ذكر مراودات القوم معه كما مرّ.. وقال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.
وفي الروايات: فوثب عمر غضبان فقال: والله إنّي لعارف بسخفه..! وضعف رأيه..! وإنّه لا يستقيم لنا أمر حتّى نقتله.. فخلّني آتيك برأسه.(12)
{ونحن نقول يأتي برأس أمير المؤمنين ويراد إراقة أول دم مسلم بمسلم من أجل الملك أليس هذا تمهيد ومشابه لقطع الرأس الشريف لأبي أبا عبد الله الحسين من قبل يزيد اللعين وهو تمهيد لتلك الجريمة ثم ماهذه الفظاظة التي يملكها عمر}.ثم هناك أمر مهم آخر: {وهنا نقول يقتل أخي رسول الله(ص) وزوج أبنته وهو في الأول والأخير مسلم وهو يهدر دمه بهذه الكيفية وينسى قول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه(لا أكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)}
أقول: يستفاد من ظاهر بعض الروايات وقوع الهجوم الأخير في هذا اليوم، لذكره عقيب هذه المراسلات، كما يظهر من كلام المسعودي.(13) وقال: فسكتوا عنه يومهم ذلك.
ومن هنا تبين ان الهجومات كانت على علياً والمراجعات على بيت فاطمة كثيرة ولم تقتصر على واحدة وهي كانت غايتها تثبيت اركان الحكم لأبو بكر ومن بعده لعمر كما ذكرنا في حديث الأمام علي(ع) المعروف لعمر في أنه { احلب حلباً لك شطره...} وقد اقتصرت في جزئي من هذه المقالة على المراجعات من قبل حزب السلطة والدنيا لأمير المؤمنين وحاولت أن اختصرها قدر الإمكان لأنه ما يوجد من المصادر لا تعد ولا تحصى وأشرت بالخط تحت مقولات الخليفة الثاني عمر لبيان أهمية دوره في الهجوم على بيت فاطمة الزهراء(ع) وأنه كان من العوامل المهمة في استبعاد وصي رسول رب العالمين وخليفة رسول الله محمد (ص)من الخلافة وحديث عمر من أبن عباس عن عدم رضاه وكراهية ومن معه من الطامعين بالسلطة عن اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد وهو بيت بنو هاشم. " ولعل أهم الأسباب التي دفعت المسلمين إلى هذا الأمر الشنيع هو:
1 ـ كراهة اجتماع النبوة والإمامة في بني هاشم فيبجحون قومهم بجحاً بجحا(14) وهذا ما نوهنا عنه في مقالات سابقة والذي قاله عمر إلى أبن عباس لهو أكبر دليل على ذلك.
2 – صغر الإمام علي(ع)(15).
3 ـ حسد العرب عامة وقريش خاصة إياه، وتمالئهم عليه أي كرههم له لقتله ساداتهم وفرسانهم في سبيل الإسلام فبقيت نعرة الجاهلية الأولى لديهم ولم يخلصهم منها.
4 ـ أن علياً سيحملهم إذا ولي الأمر على المحجة البيضاء وأن كرهوا ـ والحق مر في الأذواق ـ وهذا ما صرح به عمر نفسه(16).
وعندما أستقر الأمر لأبي بكر فلا بد من أخذ البيعة من الجميع وهذا شيء طبيعي في أمر كل ثورة أو انقلاب. فماذا يصنعون وقد أمتنع علي(ع)عن البيعة!أيهددونه وهو ذلك البطل الشجاع الذي جندل صناديدهم وقتل شجعانهم؟!أم يراوغونه وهو ذلك البصير بكل الأمور. ولكن لا بد من أخذ البيعة منه لكي تستب الأمور إليهم وماذا سيكون موقف الزهراء (ع)إذا حاولوا حمله على البيعة قسراً؟!وبالصحيح ماذا سيكون موقفهم إذا دافعت الزهراء عن زوجها وأبن عمها؟!هل سيتغافلون عن كل ذلك، أم ماذا؟!
استعصى هذا الأمر على قادة الثورة وراحوا يفكرون فيه زمناً طويلاً.. أما علي(ع) فقد ركن إلى زاوية من البيت يجمع القرآن من الرقاع واللخاف والعسب، ومما في صدره...وانقطع اتصاله بالعالم الخارجي، بعد أن عرف انصراف الناس عنه، وكما قال أبنه الحسين(ع): ((الناس عبيد الدنيا..)) ولكن طال الزمن.. وفي حالة عدم أخذ البيعة سيكون هناك مجال للنقد ومتسع للاعتراض"(17).
من هنا نستنتج أذن هو الملك الذين كانوا يطمحون إليه وليس تثبيت أركان الدولة الإسلامية والتي بهذه الأمور التي تم ترتيبها وإقصاء أمير المؤمنين عن الخلافة أنما كان مطامع الكرسي والمطامع الدنيوية هي الغاية العليا لحزب السلطة والحكم والتي كان يبذلان جهدهما في ذلك وهذا وماصرح به الأمام علي لعمر عندما قال له { أحلب حلبا لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غدا }(18). وان مؤتمر السقيفة هو المؤتمر الانقلابي على كل قيم الإسلام وما أمر به الله ورسوله وهو يمثل حلقة مهمة من حلقات التخلف وعدم إطاعة أوامر الله ورسوله منذ التخلف عن جيش أسامة ورزية الخميس وماتلاها من حلقات وتآمر وغدر وحتى أن عمر قال مقولته الشهيرة (إنما كانت بيعة أبي بكر فَلْتَة وتمَّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرَّها... مَن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايَع هو ولا الذي بايعَه تغرَّة أن يُقتَلا) (19).
والفلتة كما قال ابن منظور في لسان العرب: يقال: كان ذلك الأمر فلتة، أي فجأة إذا لم يكن عن تدبّر ولا تروّ، والفلتة: الأمر يقع من غير إحكام(20).
لكي تبين ماهية المؤامرة التي كانت تحاك والتي اخبر نبينا الأكرم محمد(ص) وصيه وأخيه الأمام علي(ع) بكل هذه الأمور لأن جبرائيل أخبره بكل ما تجري من أمور بعد وفاته وهو أمر رباني لكي ينال فيها الأمام وأهل بيته الدرجات العليا عند رب العالمين وان تكون لهم الدار الآخرة هي خير عقبى مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى في محكم كتابه { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }(21).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
1. الإمامة والسياسة: 1/19.
2. كتاب سليم: 249.
3. كتاب سليم: 82.
4. تفسير العياشي: 2/66 ـ 67 ; الاختصاص: 185 ـ 186.
5. الإمامة والسياسة: 1/19.
6. كتاب سليم: 249 عنه بحار الأنوار: 28/297.
7. الكشكول، للسيد حيدر الآملي: 83 ـ 84.
8. الإمامة والسياسة: 1/19.
9 ـ كتاب سليم:ص 249 عنه بحار الأنوار: 28/297.
10 ـ كتاب سليم: 249، عنه بحار الأنوار: 28/297.
11 ـ كتاب سليم: 81 ـ 82 وراجع أيضاً بحار الأنوار: 28/307 عن المسعودي في إثبات الوصية و 92/52 عن المناقب.
12 ـ راجع الهجوم على بيت فاطمة(ع)، للكاتب عبد الزهراء مهدي ص 109.
13 ـ الاحتجاج: 80.
14- تاريخ الطبري 3: 289، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 189. إفادات من ملفّات التاريخ. تأليف محمّد سليم عرفة ص 94. الطبعة الأولى - 2000 نسخة. سنة الطبع: 1427هـ. المطبعة: ستارة.* جميع الحقوق محفوظة للمركز *. من منشورات مركز الأبحاث العقائدية.
15 ـ راجع الإمامة والسياسة.
16 ـ كتاب السقيفة العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر ويليه على هامش السقيفة تقديم الدكتور محمود المظفر. ص 119. من منشورات المكتبة الشيعية.
17 ـ من مقالي نشرت سابقاً بعنوان (لمحات من السيرة العطرة لفاطمة الزهراء(ع) / الجزء الحادي عشر).
18 ـ البلاذري : 1/587 و شرح نهج البلاغة، أبن أبي الحديد الشافعي: 6 / 11، مصر 1959 ه.
19 ـ صحيح البخاري 8|210 الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا، 4|2130 ح 6830. مسند أحمد بن حنبل 1|323 ح 391. الجمع بن الصحيحين للحميدي 1|104. الجمع بين الصحيحين للموصلي 1|260. المصنف 7|431 ح 37031، 37032. تاريخ الخلفاء، ص 51. البداية والنهاية 5|215. السيرة النبوية 4|657. الكامل في التاريخ 2|326. الرياض النضرة 1| 233. مختصر التحفة الاثني عشرية، ص 243.
20 ـ لسان العرب 2|67.
21 ـ [القصص: 5 ].
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ماذا بعد لبنان / 2
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول