- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
السيناريو الأمريكي ورهانات الواقع
بقلم: سامي محمود ابراهيم
لقد تم عزلنا عن الواقع. فلم نعد نشعر باننا نحيا في حضارة القرن الحادي والعشرين. ولذلك نجد المناخ النفسي لمجتمعاتنا مناخا متصلبا، يسوده الشعور بعدم الرضا.
فنحن في ابسط حقوقنا مسيرون، تربينا على النظرية الجاهزة، ولم نعد نمتلك اي حس نقدي.
انسانيتنا مهدورة من قبل الطاغية المتسلط او الدولة المستبدة. وهذا كله تحركه الخلفية المعرفية للغرب بكافة ابعادها السلطوية، وتغذيها النزعة الامريكية العابرة للقارات.. العابرة للنجوم والافلاك.. تم عزلنا عن كافة ابعادنا الوجودية.. وهكذا نتيجة الشعور باليأس، خضعت حياتنا للمصادفة، وانتفى لدينا الشعور بالمسؤولية وضمان المستقبل: وانهار الشعور بالامن في زمن سطوة مجلس الامن.
كل هذا ادى الى انهيار المستقبل. ذلك البعد الانساني المهم على الصعيدين الحضاري والعقائدي. انهار البعد الانساني لحظة استشراف المستقبل، واصبحنا نحكم الاحتمال والظن... وهذا المستقبل قد يأتي وقد لا يأتي، ولذلك لا يبقى لترقبه اي قيمة او دافع فنبدأ الغوص في الحاضر وبذلك يتحجر عندنا الماضي ويتضخم وينغلق على ذاته ويصبح حاضرا دائما. ومن ثم يتحجر الانسان ذاته مع لحظة الحاضر المتحجر، ويصبح الانسان ذلك الماضي الى ان تقوم الساعة.
وهو بهذا يشبه الميت الذي تصير ماهيته عين ماضيه. لهذا السبب نذكر ماضينا واباءنا اكثر من لحظة الحاضر.. فنعيش دائما في لحظة الماضي بكل ابعاده من فكر وقيمة وعقيدة وسياق وحدث.
وهذا ما يفسر عداواتنا وحروبنا الطائفية والقبلية والقومية. هذا بالاضافة الى ان الانهماك في الحاضر واللحظة الحاضرة يؤدي كذلك الى طلب اللذة والمنفعة الانيتين، فنبقى نعيش ببعد واحد.. وما يهلكنا الا الدهر.
بسبب ذلك انقطع التواصل الحقيقي والحوار الاجتماعي والسياسي والديني، وتم عزل الفرد في ظلمات الحذر وبحار الظنون والخوف من المستقبل السياسي المجهول.
فانحدرت علاقة الانسان بأخيه الانسان الى مستوى الشيئية، فحل الظلم بدل العدل، والكره بدل الحب والكذب بدل الصدق، وبذلك تتهاوى الانسانية الى احط المستويات وادناها.. بركماتية نفعية، تحقق ذاتها بوسائل الغاية والتبرير.
في عصر الامركة زيف الانسان بابشع الوسائل والحيل الناعمة تماما كالتي نجدها في سينما هوليوود.... فيخيل اليك انك امام انسان وأنت في الواقع امام جدار اظلم واصم. اننا لم نعش عصر النهضة او التنوير او الحداثة او التكنولوجيا المعاصرة او الذرة او النانو او الكوارك.. في حقيقة الامر نحن لم نتجاوز العصر الوسيط.. بهذا العمل نحن نزيف الواقع في سبيل عدم مواجهة الحقيقة المتمثلة في اننا لا نعيش لحظة العصر الحادي والعشرين، وبذلك نرتمي في ما يسمى بالجهل السعيد. هكذا تنتصر اللحظة الامريكية وايديولوجياتها الضالة... فنحن لم نتجاوز زمن العصور الوسطى الا في المظهر، في سياق الزمن الحضاري.. في استخدامنا لمنتجات الغير، بما في ذلك اقلام الرصاص. ولو تم رفع هذه الوسائل والمعدات والتقنيات المعاصرة لأنكرنا الزمن ذاته، ولثبت عقائديا اننا لا نستحق العيش فيه.
اما منظومة قيمنا فمعطاة على غرار دون كيشوت.. محمولة على ظهر جواد هزيل لكنه مهجن عربيا كما هجن سندبادنا، فهو منذ ان اكتشف ذاته يسير في تلك الصحراء الميتة الجافة التي لا تحيا فيها الا العصبية القبلية والتقاليد البالية وقسوة القلب. فمنذ عصر صحرائنا الاول تم وئد قيم المروءة والايثار وبقيت موءودة الى يومنا هذا.
بهذا المعنى كان تاريخنا اشبه بمسيرة جنائزية تحجب عن عيوننا رؤية المستقبل والمصير المشترك.. ورغم ضجيج الحضارة لا نصحو ولا نفيق، والحضارة تمن علينا وتضن. فلم نعد تلك الامة الحية القوية. هناك جدران شديدة تحول بيننا وبين النهضة، وعملاق سندبادنا قابع في دلة الصحراء.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- سُلطة الواقع والجدوى المتحققة فيه
- ميناء غزة الأمريكي...بوابة الشر / 1