عباس الصباغ
السياحة في العراق لا تقل شأناً واهمية عن الكثير من الدول التي يعتمد اقتصادها شبه كلي على السياحة مثل مصر ولبنان وغيرها وفي هذه الحالة تساهم السياحة في إبعاد شبح الريع عن طبيعة الاقتصاد الوطني لهذه الدول التي تشكّل السياحة مصدرا اضافيا للدخل القومي،وهنالك دول تعتمد على السياحة بنسبة (60%) من الموازنة السنوية علماً بأن العراق يتمتع ببيئة سياحية تؤهله بأن يكون جاذباً للسياحة طيلة ايام السنة وبنسبة تقارب لهذا المقدار بل اكثر، اذ يمتلك مجموعة من العوامل التي تجعله في مقدمة البلدان الجاذبة للسياحة بما يملكه من مقومات سياحية، وهو ينفرد عن دول العالم بهذا المفصل الاقتصادي كونه يمتلك قطاعا سياحياً متكاملاً، فيه جميع انواع السياحات من دون استثناء، والمنتشرة في جميع مناطق البلاد، منها السياحة الدينية والاثارية والطبية والترفيهية، فلو استغلت هذه المواقع استغلالا بتخطيط استراتيجي محكم ووفق امكانات حكومية رصينة لأصبح العراق قبلة العالم في جميع انواع السياحة اذ تشير الكثير من الدراسات الى ان الاستثمار الجيد لملف السياحة يمكن من جذب ١٠ ملايين سائح سنوياً، اي بما يكفي من تحقيق ١٠٪ من الموازنة العامة .
وقبل التغيير النيساني لم تولِ الحكومات المتعاقبة ادنى اهتمام لهذا القطاع الاستراتيجي ولم تلتفت الى امكانية ان يساهم في رفد الموازنات العامة في تحسين الواقع المعاشي للبلد وكسر احتكار الريع النفطي للاقتصاد الوطني، واستمر هذا النسق من التفكير لحكومات ما بعد التغيير النيساني، والمتابع للملف الاقتصادي والسياسي في العراق منذ عام ٢٠٠٣ ولغاية اليوم يمكن ان يؤشر الى ضعف البرامج الحكومية في دعم وتطوير القطاع السياحي بالرغم من أهميته الاقتصادية القصوى، فبقيت اللامبالاة سمة التوجه الحكومي لهذا القطاع الذي واجه اضافة الى ذلك الاهمال تحديين خطيرين تمثل الاول منهما بالهاجس الامني الذي القى بظلاله المقيتة على كل القطاعات الاقتصادية ومنها السياحة التي لاتنشط في ظل وضع امني متدهور، والتحدي الثاني فقد تمثّل بمتلازمة الفساد الاداري والمالي والبيروقراطية ومعرقلات الاستثمار الداخلي والخارجي، يضاف اليها هشاشة البنى التحتية التي تعد مثبطّا حقيقيا للواقع السياحي الذي ظل يراوح مكانه دون ان يتقدم قيد انملة، بسبب ان هذا القطاع الاقتصادي الستراتيجي كان ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الان تحت هامش التفكير الحكومي في تفعيل القطاعات المساندة للنفط الذي بقي يتربع على قائمة الاولويات الاقتصادية، ولم تفكر اية حكومة عراقية في مصير الاقتصاد العراقي فيما لو نضب النفط ـ وهو متوقع في حدود الستين سنة المقبلة وهو ماسيشكّل معضلة اقتصادية للأجيال العراقية القادمة ومع بقاء ملايين الامتار المكعبة من الغاز الطبيعي تُهدر يوميا ومنذ عقود ودون ان تفكر اية حكومة في استثمارها اقتصاديا مع حاجة العراق المستمرة للعملة الصعبة، ومن جهة اخرى لو تم تفعيل القطاع السياحي في العراق بشكل مهني صحيح فان ذلك سيساهم بشكل تلقائي في امتصاص الكثير من مناسيب البطالة المقنعة وخاصة في صفوف الشباب الخريجين ولاسيما من ذوي المهن السياحية والفندقية والذين عانوا الكثير من الاجحاف والغبن .
ودخل التقصير الاعلامي على خط التجاهل لهذا القطاع فالإعلام يتحمل جزءا كبيرا من وزر التغاضي عن اهمية توصيل صورة حقيقية وناصعة للراي العام الدولي والاقليمي عن الامكانات السياحية الهائلة للعراق، ولا يخفى على احد إن التنمية السياحية تهدف إلى الإسهام في زيادة الدخل القومي الحقيقي وتوفير فرص العمل للعاطلين وتشغيل الأيدي العاملة فضلا عن توفير العملة الصعبة للبلد وإعادة تأهيل البنى التحتية للمناطق كافة ومن هنا تكون التنمية السياحية وسيلة للتنمية الاقتصادية وبهذه المتابعة تعتمد التنمية الاقتصادية على القطاع السياحي بدرجات متفاوتة في زيادة الدخل القومي والدخل الحقيقي للفرد من خلال دفع المتغيرات السياحية في المجتمع للنمو بأسرع من معدل النمو الطبيعي0،ان تأسيس مشاريع استثمارية سياحية يمكن ان ترفد الموازنات العامة بالبدائل المالية عن النفط وتحصّن الاقتصاد العراقي من اخطار تقلبات أسعاره، بالإضافة الى تطوير البنى التحتية للسياحة العراقية لاستيعاب اعداد كبيرة من السائحين من شأنه ان يخلق فرص عمل جديدة وينشّط عملية التبادل التجاري والذي يمكن ان ينعكس ايجاباً على باقي القطاعات الاقتصادية.