- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مابعد الامبريالية: الانهيار الاقتصادي القادم !
بقلم: مظهر محمد صالح
انهالت علينا تساؤلات كثيرة حول التحذير الذي اطلقه رجل الاعمال المخضرم طلال ابو غزالة وتوقعاته الداكنة بشأن ازمة مالية ستضرب الاقتصاد العالمي بحلول العام ٢٠٢٠ مركزها الولايات المتحدة الامريكية وتكون اشد بكثير من تلك التي حدثت في العام ٢٠٠٨...!!
ابتداءً اجد ان السيد طلال ابو غزالة قد استند في رؤيته على تحليل طبيعة الاقتصاد الامريكي بكونه الاقتصاد الاول في قيادة الازمات الاقتصادية العالمية عبر التاريخ الاقتصادي الحديث.
فالتوقعات التي جاء بها ابو غزالة بنيت في اعتقادي على تعاظم الاقتصاد الرمزي للولايات المتحدة الامريكية token economy القائم على مسائل جوهرية ثلاثة:اولها، اسلوب تمويل عجز الموازنة الامريكية الذي مازال يجري تمويله منذ العام ٢٠٠٨ بالاصدار النقدي او مايسمى بتنقيد الدين debt monetizing.اذ بلغ الدين العام للولايات المتحدة نسبة الى الناتج المحلي الاجمالي بنحوٍ يقارب ١٠٧٪ وهو خارج المعدلات الآمنة التي ينبغي ان لا تتعدى ٦٠٪ من ذلك الناتج وفق الاطر القياسية الدولية المعتمدة.
والثانية، تتمثل بتصاعد قيم الاوراق المالية في اسواق راس المال الى معدلات قياسية عالية مثل الرقم القياسي لمؤسسة داوجونز او S&P500 وارتفاعهما على سبيل المثال الى مستويات قياسية عالية ربما ستصبح خارج المستويات التوازنية لعرض السوق المالية والطلب عليها او مايعرف اصطلاحاً out of the fundamentals مما قد يؤدي الى توليد فقاعة سعرية bubble يقود انفجارها لا محالة الى انهيارات في قيمة محفظة الاسواق المالية وعلى غرار ما حصل في ازمة الرهن العقاري في نهايات العام ٢٠٠٨.
ففي نطاق اسعار الموجودات او الاصول المالية،يلحظ على سبيل المثال ان معدل اسعار الغلق السنوية لاسهم الشركات الصناعية الكبرى في الولايات المتحدةً وعلى وفق مؤشر (داوجونز)قد ازداد من قاع بلغ متوسطه في العام ٢٠٠٨ بنحو ٨،٨ دولار ليصبح متوسطه السنوي اليوم قرابة ٢٤،٧ دولار.اي بمعدل َتغير (خلال عقد من الزمن) بلغت الزيادة في قيمة الاصول المالية بنحو ١٨٠٪ وهو تضخم كبير inflation في قيمة الثروة الراسمالية الاسمية ويحمل اثر(ثروة عالي wealth effect)وبشكل غير مسبوق مقارنة بالرقم القياسي لاسعار السلع والخدمات في الولايات المتحدةً او مايسمى (بتضخم اسعار المستهلك في المناطق الحضرية)التي لم تشهد الا زيادات معتدلة جداً خلال سنوات المقارنة ٢٠٠٨-٢٠١٨. فقد بلغ معدل التَغير في اسعار المستهلك (او التضخم) نسبة لم تزد على ١٧٪ خلال المدة الزمنية نفسها اعلاه.ففي العقد الذي تعافى فيه العالم من ازمة الرهن العقاري التي ابتدات في العام ٢٠٠٨يلحظ ان معدلات التغير في تضخم الثروة الراسمالية ارتفعت بنحو (عشر مرات)مقارنة بالزيادات الحاصلة في قيمة السلع والخدمات(الاستهلاكية).ما يعكس قوة الاقتصادالرمزي وهيمنته على الاقتصاد الحقيقي في نهب الفائض الاقتصادي ضمن تطور ظاهرة راسمالية خطيرة تسمى بالراسمالية التمويلية او التمولية financal capitalism.
وهي الظاهرة التي جنحت فيها الشركات المنتجة للسلع الحقيقية كشركات السيارات وغيرها الى التكامل العمودي مع اسواق راس المال ذلك بمسك محافظ استثمارية تغلب عليها الاوراق المالية ومشتقاتها لجني المزيد من الفائض الاقتصادي وتعظيم فرص الربح و مراكزها المالية عن طريق المضاربة بريع (الفقعات) السعرية غير المنتجة على حساب نمو الاستثمار الحقيقي.بمعنى غلبة الاستثمار المالي على الاستثمار الحقيقي.وهو تنويع اقتصادي مستحدث لتجنب مخاطر القفزات التكنولوجية الحادة في العصر الرقمي ودخول استثمارات متسارعة لعصر جديد من التقدم المعرفي.وبالرغم من ذلك فان الراسمالية التمويلية وارتباطاتها العمودية vertical باسواق الاوراق المالية يعد نمطاً خطيراً في تطور الراسمالية المالية او المسمى (بالنمط الراسمالي التمولي).
وقد يحلوا لي تسمية هذه المرحلة من الراسمالية اصطلاحاً بمرحلة مابعد الامبريالية post imperialism.
ففي مرحلة الامبريالية كما عرفها هلفردنغ في مطلع القرن العشرين (والمسماة finance capitalism)كانت تتسم بشيء من الاندماج الافقي horizon بين الراسمالية الصناعية والراسمالية المصرفية لتعظيم مراكز الربح.اما المسالة الثالثة او الاخيرة في توقع انهيار الراسمالية في العام ٢٠٢٠ فتتمثل بتسارع الاصول المالية الاسمية والمعبر عنها بالمشتقات المالية والتي منها اتساع اسواق المستقبليات وغيرها من اسواق راس المال وبادوات تشتقها السوق المالية بنفسها على نحو تكثيري متزايد (اي تكثير راس المال).
فالاصول المالية التي بلغت بنحو يزيد على ١٨٠ تريليون دولار في الولايات المتحدة(اي قبل ان تنفجر فقاعة الرهن العقاري السعرية) في العام ٢٠٠٨ كانت مسندة باصول حقيقية لا تتعدى قيمتها سوى ٦ تريليونات دولار وهو التاريخ بعيد نفسه اليوم.لذا فان الدورة الرمزية token cycle قد تعيد نفسها في العام ٢٠٢٠ بانفجار فقاعة الاسعار الرمزية في السوق المالية المهيمنة.
منوهين ان الاستثمارات التكنولوجية والتبدل في طرازات الحياة والاستهلاك والصناعة قد تجعل من القيم الاسمية لاسهم الشركات المستثمرة بالتكنولوجيا القديمة اكثر رمزية.وهي الشركات التي يصعب عليها الاستثمار والتجديد التكنولوجي.فهي بعبارة اخرى بعيدة عن الاسس الاقتصادية في الاستثمار الحقيقي وبشكل يفوق غيرها في درجات التباطوء في الاحلال التكنولوجي ومازالت تتخبط بقوة في عصر تضربه مظاهر الركود وبقوة بسبب الابتكارات المتسارعة والتقدم المعرفي الرقمي.
اما السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي فهي الاخرى تتطلع الى كبح جماح تضخم الثروة المالية(او اثر الثروة) ولجمها خارج نطاقاتها الحقيقية خشية انفلات اسعار الاصول المالية ومن ثم انفجارها، لذا فان البنك الاحتياطي الفيدالي اخذ يعمل باشكال مضادة او معاكسة لتحركات تضخم سوق راس المال ذلك باستخدام اداة رفع اسعار الفائدة التدريجي لاحتواء (او خفض ارتفاعات)اسعار الاوراق المالية التي اخذت قيمها السوقية كما ذكرنا بالتصاعد فوق قيمها الحقيقية.ويأتي تصرف الاحتياطي الفيدرالي من حقيقة مدرسية وعملية بان قيمة الاوراق المالية تتناسب عكسياً مع ارتفاع الفائدة. وبالرغم من ذلك فان استمرار ارتفاع الفائدة سيؤدي الى انكماش نشاطات القطاع الحقيقي وتوليد بطالة غير مرغوبة في طاقات الانتاج تدريجياً بسبب ارتفاع كلفة الاستثمارات الحقيقية. فجميع تلك الاضداد ستقود في النهاية الى حصول مايسمى بمعادلة الحل (المهلك)او السالب المؤدي الى دورة الركود الاقتصادي.او مايسمى:
The equation of negative solution
واخيراً،انها دورة الاقتصاد الرمزي وفقاعاته السعرية الكبيرة المتوفعةً والتي ستؤدي لامحالة الى انهيار في اسواق راس المال المالي والاسواق الحقيقية معاً.بما فيها بطالة سوق العمل وانهيار الاستثمار الحقيقي وتدهور معدلات النمو في الناتج المحلي الاجمالي و الدخول بكساد عام يسبقه ركود اقتصادي مخيف.
ختاماً: انه عصر الراسمالية المالية او التمويلية الذي يتسارع نحو الانهيار.... انه عصر ما بعد الامبريالية.
أقرأ ايضاً
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- القنوات المضللة!!