بقلم | مازن الزيدي
منذ عام ونصف كتبت عن التهميش المتعمد والمقصود الذي تمارسه حكومة التقشف برئاسة العبادي على البصرة وشقيقاتها الجنوبيات.
وقتها كانت البصرة والناصرية والعمارة تنزف دماء ابنائها في الصحراء الغربية والموصل لتحرير ما تبقى من اراضينا التي سيطر عليها المد الداعشي.
في ذلك الوقت كانت هذه المحافظات بالذات تدفع ثمن سياسة التقشف والتخبط الامني والاقتصادي للحكومة الحالية، الامر الذي اثّر على مرافق الخدمات والقدرة الشرائية للاهالي الذين وجدوا انفسهم وجها لوجه امام معدلات الفقر والبطالة التي تسدّ افاق المستقبل امام ابنائهم.
وبينما كان هذا حال البصرة وشقيقاتها النفطيات كانت حكومة العبادي توقع مسرورة مشروعا لنقل نفط الجنوب الى الاردن ومنح شركة امريكية (الزيتون كروب) رخصة استثمار الطريق الدولي الى طريبيل، واتضح لاحقا انها تابعة لشركة بلاكووتر سيئة الصيت.
كانت حكومة العبادي آنذاك تتفنن بالتحايل على معاناة المحافظات الجنوبية وتمنع عنها مخصصات البترودولار، الذي اقره قانون المحافظات رقم ٢١، وتوقع العقود مع صهر ترامب بهدف انعاش اقتصاد الاردن وميناء العقبة على حساب موانيء البصرة.
لقد تنصل العبادي بشكل واضح ومتعمّد عن اول التزام اعلنه لدى تسلمه مهامه بتمرير قانون المحافظات واطلاق المخصصات المالية، ٥ بترودولار و٥٠٪ من ايرادات المنافذ الحدودية و٥٠٪ من اموال الجباية، اذ عاد للطعن بموازنة ٢٠١٦ بعد العهود التي اعطاها لنواب البصرة والمحافظات النفطية.
واصل رئيس الحكومة تنصله عن وعوده في موازنة عام ٢٠١٧ وقرر خفض المخصصات الى ٥٪ فقط من ايرادات النفط والغى ايرادات المنافذ والجباية بحجج غير قانونية، ومع ذلك رضيت البصرة واخواتها بهذه القسمة المجحفة.
هكذا استمرت مماطلة العبادي مع المحافظات الجنوبية في موازنة ٢٠١٨، وبقي حال الجنوبيين بانتظار الوظائف التي حجبتها الحكومة نزولا عند شروط صندوق النقد الدولي. وهكذا عاش اهالي محافظات الدم والنفط تحت رحمة حكومة العبادي وهم يغرقون باطنان النفايات ويشربون المياه الملوثة من دون ان يسمعهم ساسة بغداد المنشغلين بمشاريعهم وخصوماتهم الازلية.
اذن لم تكن البصرة لوحدها تعاني ولم تكن البصرة لوحدها تدفع ثمن الفساد والفشل والخصومات السياسية. فما كانت البصرة سوى نموذج للغضب الذي يعتمل في صدور الجنوبيين جراء نقل المهاترات والخصومات السياسية من بغداد الى مدنهم. والبصرة ايضا ليست سوى نموذج واضح للفوضى الممكنة التي قد تركبها اطراف خارجية اتضحت تدخلاتها وخططها السافرة لتحويل هذه المحافظات الى ساحة للمعارك الداخلية في اطار النسخة الثانية من مشروع الفوضى الخلاقة.
ومنذ اندلاع تظاهرات البصرة قبل ثلاثة اشهر انطلقت جيوش حكومية لتوجيه اصابع الاتهام الى ايران بالوقوف وراء الاحتجاجات. جاء ذلك في وقت كنا نقول ان احتجاجات الكهرباء ما هي الا بداية لانفجار غضب خطير في كل الجنوب، يجب احتواؤه عبر التراجع عن سياسة الخصخصة والتقشف وحجب الوظائف وشلَ القطاع الخاص عبر الاتفاقات التي ابرمتها حكومة العبادي مع جهات دولية مقابل اغراق البلاد بديون طائلة رغم ارتفاع اسعار النفط وامتلاك الحكومة لوفرة مالية كبيرة.
اليوم وبعد احداث البصرة الأليمة يكتشف العراقيون مدى فشل سياسات حكومة العبادي وفشل اجهزته الامنية في استباق الانفجار ومنع بعض الجهات الخارجية والداخلية من الاصطياد بالمياه العكرة لغضب المحرومين من ابناء الجنوب.
فهل سيصرَ حلفاء العبادي والمدافعون عن سياساته على مواصلة دعمه باعتباره ايقونة للاعتدال والاصلاح كما شاهدنا ذلك في جلسة امس؟!
أقرأ ايضاً
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"