- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لَوْ كُنْتُ وَزيراً لِلتّربيَةِ
حجم النص
بقلم: نــــــــزار حيدر اولاً؛ لما اكتفيتُ بمعاقبةِ مدير المدرسة (الارهابي) الذي اعتدى على فلذات أكبادنا التلاميذ الصغار الأبرياء، وانّما لعاقبتُ او على الأقل لوبّختُ، كذلك، كلّ الكادر التّدريسي الذي كان يتفرّج على جريمته البشعة التي تقطّع القلب وتهزّ الضمير، دون ان ينبس احدٌ منهم ببنت شَفةٍ وكأنهم في حفلة عرس!. ثانياً؛ لأمرتُ بنصْبِ كاميرات المراقبة في صفوف كلّ المدارس، خاصة الابتدائية، للتأكد من انّهُ لا احد من الكادر التدريسي يستخدم الارهاب ضد التلاميذ. ثالثاً؛ لشكّلتُ لجنةً خاصةً لمراقبةِ ومتابعةِ حالات الارهاب في المدارس، فشجعتُ الاولياء والتّلاميذ على الابلاغ عن اي عملٍ ارهابي يقع على ابنائهم في المدرسة، من خلال استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، لايصال الشكوى. رابعاً؛ لأسّستُ لمنهجيّة التحديث والتطوير عند الكادر التدريسي لمناهج وطرق واساليب التدريس والتعليم في العالم، من خلال الدورات المتخصّصة، للاطلاع على اخر تجارب التعليم وأساليبه. انّ التعليم مهمّة الرّسل والانبياء، لا يمكن ان ينجح ابداً بالعنف والقوة والتهديد والضرب والارهاب، وفي مراحله الاولى يُعتبر الأساس الذي يُشاد عليه بناء الشخصية، فكيف سينهض هذا البناء اذا تأسّس على العنف والارهاب؟. لقد نَهَرَ رسول الله (ص) تلك الام وعنّفها ووبّخها عندما صرخت بوجه طفلها الصغير الذي بال في حضن الرسول الكريم (ص) بينما كان يحملُه على كتفه، قائلا لها بما معناه؛ الثّوبُ يطهُرُ من البول، الا ان روحهُ لا يمكن إصلاحها اذا تحطّمت بالعنف. ولشدّ ما حيّرني جواب المدير (الارهابي) الذي ادلى به رداً على سؤالِ احد المراسلين عندما قال له؛ بانّ مقطع الفيديو المنشور الان يعودُ الى عدّة سنواتٍ خلت! وانّه فعلَ ذلك بناءً على طلبِ الكادر التّدريسي وما توارثه منذ الصغر ايام كان تلميذاً في المدرسة يتعرض للضّرب والتّعنيف!. انّ جوابه نموذج للقول المعروف [عذرهُ اسوء من فعله]. الف؛ وما دخل ارتكاب الجريمة بتاريخ ارتكابها؟ فسواءً كانت اليوم او قبل عدة سنين؟ بالعكس، فقد يكون ذلك دليل على انّه واصل ممارسة الجريمة كل هذه الفترة الزمنية الطويلة! كمنهجية في العقاب الجماعي! من يدري؟. ثانياً؛ وان صحّ قوله بانّه نفّذ الجريمة بناء على طلب الكادر التدريسي، فهذا يعني اننا امام جريمة جماعية وليست فردية، وبذلك تكون مصيبتنا بأولادنا أكبر وأعظم، لان ذلك يعني انهم يتعرضون الى مجازر ارهابية بلا صوت، وبكامل الهدوء! فهي تشبه جرائم تفجير السيّارات المفخّخة والاحزمة الناسفة بالنتائج، ولكنّها تختلف معها بالادوات، فالاولى يصحبها صوتٌ عنيفٌ، الا ان هذه تجري بصمت!. ثالثاً؛ انّ التخلف شيء سيّء، ولكن الاسوء منه هو الاستسلام له، وكأنّه قدرنا الذي خُلقنا له!. هل يُعقل انّ مدير في مدرسة لم يطّلع على تحديث آليّات تطوير أساليب التربية في العالم منذ نصف قرن مثلا؟ في ايِّ بلدٍ نعيشُ نَحْنُ؟ الم يمر وامثاله في دورات تعليميّة لتحديث معلوماتهم بشأن مهنتهم، التربية، بين الفينة والأخرى؟. هل من المعقول ان مديراً في مدرسة يبرّر جريمته ضد التلاميذ لانه تعرّض لمثلها قبل نصف قرن مثلاً؟ فضُرب وعوقب ووُبّخَ ايّام كان تلميذاً صغيراً؟ اين كان كل هذه المدة؟ أفي كهفٍ أم في جبل؟! اعوذُ بالله من هذا المستوى العميق جداً من التخلّف الذي يصيب اليوم العمليّة التربويّة في العراق. انه يبرّر جريمته اليوم بجريمةٍ وقعت عليه قبل نصف قرن! او انه يستحسِن جريمته، ربما، لانه تعرض لمثلها قبل نصف قرن! لا ادري!. انّ ما نراه اليوم من عنفٍ وارهابٍ في كل مكان من العراق، في الاسرة والمدرسة والعمل والسياسة وفي كل مكان، أكان عنفاً جسدياً او ارهاباً فكرياً وثقافياً، هو نتيجة للسّياسات التربوية الخاطئة التي سيطرت على العملية التربوية وحكمت المدرسة خلال الخمسين سنة الماضية، فهل يريد هذا المدير (الارهابي) ان يورّث الأجيال القادمة نفس النتائج بعد نصف قرن من الزمن باستخدامه لنفس الاساليب التربويّة التي مر بها قبل نصف قرن؟ فكيف اذن سنغيّر واقعنا اذا تشبّثنا بنفس الأساليب والأدوات والمناهج؟!. في الغرب، ومنها الولايات المتحدة، يجري تحديث المناهج والأدوات والاساليب التعليمية كل عام، سواء في مراحله الأولية او المتقدمة! فلماذا لا نتعلم ان نفعل الشيء نفسه في بلادنا التي نتمنّى جميعاً ان تشهد تغييراً جذرياً في بناء الشخصيّة وفي كلّ شيء والذي لا يمكن تحقيقه الا بالتعليم خاصة الأولي؟!. ان التلميذ أمانة والديه في المدرسة، وبين يدَي المعلّم، فلا تجوز الخيانة ابداً، وكلّنا أملٌ في ان يظلّ المعلم المثال الرّاقي لقولِ أمير الشّعراء احمد شوقي؛ قم للمعلّمِ وفِّهِ التبجيلا كاد المعلّمُ ان يكونَ رسولا فالمعلمُ هو الاب الثاني للتلميذ. ان التّعليم اعظم واخطر خندق يقاتل به العراق، فلا يجوز ابداً ان يشغلَنا عنهُ ايّ شيء آخر، حتى الحرب على الارهاب يجب ان لا تشغلنا عن الاهتمام بهذا الخندق الأهم في حياة كل الشعوب، فبالتّعليم نُقاتل الارهاب والفساد والتخلف وكل مرضٍ يفتك بِنَا. E-mail: nhaidar@hotmail. com