- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
سباق الزمن من الرجل المريض نحو مجتمع المعرفة
حجم النص
عدنان بهية
افتتح رئيس الوزراء التركي في الثاني عشر من شباط الجاري مشروع " الفاتح" التعليمي ، وزعت بموجبه الحكومة التركية 15 مليون حاسوب متصفح يعمل باللمس ، يعرف بـ (iPad) ، مع كتب مدرسية بمناهج جديدة لجميع طلاب مدارسها و لمليون مدرّس مجاناً، و تركيب 260 الف لوح جداري ذكي بدلاً من السبورات السوداء في الصفوف الدراسية، و سيكتمل تجهز جميع المدن خلال أربعة السنوات ، لتنتقل تركيا إلى عالم التقنية والحداثة ، إلى مجتمع المعرفة .
نهضت العراق و تركيا من بين أنقاض الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) بعد الحرب العالمية الأولى في العقد الثاني من القرن العشرين كدولتين جديدتين متطلعتين لعالم أفضل بعد سبات طويل. تسعين عاما من التقلبات السياسية ضربت كلا البلدين، احتلت بعدها تركيا المركز العشرين في تسلسل الدول الأغنى في العالم لسنة 2010 و المركز 24 لسنة 2011، و الصدارة في التنمية البشرية و قبلة جاذبة للسياحة في العالم ( 60 مليون سائح). في نفس هذه الفترة احتلت العراق المركز 181 في تسلسل الدول الأكثر فساداَ لسنة 2010، و المركز 176 لسنة 2011 بحسب تقرير الشفافية الدولية ، و أمية بنسبة 22% وفقر بنسبة 19% ، مع ميزانية تاريخية لسنة 2012 تفوق 100 مليار دولار أمريكي .
في مقارنة إيجابية للموارد المتاحة للبلدين و في ظل ثروة العراق النفطية، يتساءل ظافر نادر ( 54 عام ) الناشط في المجتمع المدني عن الأجدر في السباق نحو مجتمع المعرفة؟ ألا ينبغي أن نخطو بالعراق نحو مستقبل أفضل ! و يجيب " قد تكون خطواتنا بطيئة و متعثرة في مرحلتنا الراهنة، إلا إنها يجب أن تمهد لمستقبل مشرق". هذا ما نحلم به , و نحتاجه عندما نتحدث عن مفهوم مجتمع المعرفة ، المجتمع الذي يؤمن بالتفوق الاقتصادي والثقافي إلى جانب مبادئ العدل والمساواة و التوزيع العادل للثروات و الرفاه الاجتماعي ، و علينا كذلك أن ندرك أهمية و ماهية "سوق المعرفة" التي تحفز المجتمعات على التفكير والإبداع.
د. محمد (51 سنة )أستاذ الفلسفة في جامعة بابل يقول "ما زال مفهوم الحكومة الالكترونية غامضا عند الكثير من المثقفين والمتعلّمين، فما بالك بعامّة الناس"، في وقت انتشرت فيه مفاهيم الحداثة الأخرى مثل "مجتمع المعرفة ، مجتمع المعلوماتية والتقنيات ، حضارة الموجة الثالثة" حيث ستكون هي المجتمعات الرائدة في المستقبل. و يضيف مجتمع المعرفة يعني "مجتمع ينظر إلى المعرفة على أنها ثروة وأساس للقوة والسلطة، كما أنّها المبدأ الأساسي في تنظيم حياة البشر، وتجعل الإنسان محورا رئيسيا وجوهريا لحركته لأنه العنصر الرئيس الفاعل في الإبداع والإنتاج المعرفي" ، و إن أبرز سماته أنه مجتمع يفكر ويبدع .و يعرض خصائصه : " اقتصادياَ تعد المعرفة المصدر الأساس للقيمة المضافة للمنتج ، وإن العامل الأساسي في نمو الاقتصاد هو إنتاج المعرفة واقتناؤها، وثقافياَ يقوم مجتمع المعرفة بتوفير البيئة المناسبة للإبداع الفكري والثقافي ويؤمن توفيرها لكل أفراد المجتمع، فالمعرفة للجميع هو شعار مجتمع المعرفة ، وسياسياَ يشترك الجمهور في اتخاذ القرارات المصيرية في المجتمع، حيث يتبنى مجتمع المعرفة قدرا كبيرا من تطبيق مبادئ المساواة والعدالة والحرية الفكرية والثقافية والسياسية ". ويضيف " أن مجتمعات الغد هي مجتمعات المعرفة ، وأسواق الغد هي أسواق المعرفة ، وحروب الغد هي حروب المعرفة ، حروب حقوق براءة الاختراع والابتكار وليست حروب صواريخ وقنابل ، وأوّل الفقر هو فقر المعرفة ، واقتصاد الغد هو اقتصاد المعرفة".
يحدد المهندس صادق ( 53 سنة ) ، رئيس غرفة تجارة بابل مقومات بناء اقتصاد المعرفة فيجد أهمها الوفرة في المعلومات والسرعة في الاتصال والكونية في المصادر والانخفاض في التكلفة، و بذلك يصبح بإمكان الدول الفقيرة أن تقفز فوق مراحل الزمن فتغنم ثروات علمية وتكنولوجية وثقافية في أقصر وقت.
أما د. حسن ( 55 سنة ) رئيس فريق حل المشكلات في جامعة بابل فيصف المعرفة هنا ، بأنها " الترتيب المنظم للمعلومات والمفاهيم وكيفية تطبيقها على عمليات الإنتاج في اقتصاد المعرفة" ، فالعامل الذي يتعلم مرة واحدة مهارة على أساس المعرفة يكون قد تعلمّ في الوقت ذاته شيئا آخر مهمّا ، وهو أنه تعلّم كيف يتعلّم ، لهذا تكون الغاية والهدف إنّ المعرفة للجميع ، وبذلك يحتاج مجتمع المعرفة إلى البيئات التي تتلاقح فيها الأفكار وتتغذى من بعضها البعض ، ويأتي ذلك من خلال العلاقة الوثيقة بين الجامعات ومراكز البحث والصناعة والزراعة والمجتمع المدني و المواطن ، فالكل يشترك في علاقة تفاعلية مع المكونات الأخرى. الجامعة تخرج المبدعين والمفكرين، والصناعة تحتاج أن تكون شريكا رئيسيا في عملية الإبداع والاختراعات الجامعية، والصناعة والجامعة بحاجة لان تكون لهما علاقة مع محيطهما وتشاركان في تنميته المعرفية، وهنا تبرز الحاجة إلى وجود مراكز البحوث التطبيقية والحاضنات العلمية ، وهذا ما يجعل المدرسة والمجتمع شبكة واحدة مندمجة متفاعلة يختلط فيها التكوين النظري مع التدريب العملي.
يرى الجميع بأن تصب هذه المفاهيم في صلب رؤية الحكومة المركزية و الحكومات المحلية و بمساعدة كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية من خلال الاستشارات والتحليلات وأوراق العمل والدراسات والبحوث والتوصيات التي تصب جميعها في تحفيز ودفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية نحو الأمام ، نحو مجتمع يؤمن بالمعرفة و يمارسها في سبيل تطوير بلادنا العزيزة .
أقرأ ايضاً
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي
- تصرفات المريض.. مرض الموت
- الوعي الصحي.. ثقافة مجتمع