تنقسم طبيعة التبريرات التي تصدر من الجهات الامنية وبعض السياسيين والتي تحاول تفسير ما يحصل عقب كل عملية إرهابية سيما اذا كانت نوعية وذات نتائج كوارثية .. تنقسم الى نوعين او صنفين كلاهما جاهز ومقولب سلفا كأنها تنتظر ما سيسفر عنه اي حادث ارهابي من حصيلة لوضع \"الديباجة\" اللازمة لهذا الحدث مع ذكر الأرقام والبيانات الخاصة به كتحصيل حاصل ، فالصنف الأول من تلك التبريرات يلقي المسؤولية كلها على تنظيم القاعدة الإرهابي ومن يتشاطر معه تلك المسؤولية من البعثيين والصداميين وغيرهم فيما يلقي الصنف الثاني من التبريرات باللائمة على مجمل التناقضات والتناحرات والاصطراعات والتخندقات المتقابلة والاحترابات تلك التي يحتشد بها المشهد العراقي سياسيا وامنيا وكصفة لا تتسم بها طبيعة \"العلاقات\" المأزومة بين الكتل والاتجاهات السياسية فحسب بل هي توصيف سياسي سلبي للكتل المنضوية في العملية السياسية من جهة وتوصيف العملية السياسية بوصمة الإرهاب اذا كانت الحراك السياسي ينتج كل هذا الدمار وهذا يعني ان التجاذبات السياسية خرجت عن نطاقها الأيديولوجي والحزبوي الى مجال آخر يلعب فيه العنف الدور الرئيسي..
ومهما كانت طبيعة او صفة تلك التبريرات ومدى صدقيتها ومهنيتها فالنتيجة تبقى واحدة ـ كما تبقى الأسباب ذاتها على حالها ـ وهي الدمار والخراب الذي يدفع ثمنه غاليا المواطن العراقي البسيط وفي كلا الحالين(بصمات القاعدة او تجاذبات السياسيين) يبدو القصور في الأداء الامني اكثر وضوحا من الأسباب المعلنة ذاتها خاصة إذا تكررت المشاهد الدموية في أيام توصف بالدامية ولم تعد أيام الأسبوع الواحد كافية لاستيعاب هذا التكرار، ناهيك عن الحوادث الدموية الجزئية او اليومية المتفرقة التي تمر مرور الكرام في وسائلنا الإعلامية على سبيل التغطية الروتينية \"اداء الواجب\" المهني، في حين إنها لو حدثت في مكان آخر من العالم لحظيت بتغطية اشمل واهتمام أوسع، وحتى كوارثنا النوعية ومآسينا شبه اليومية التي تحدث في أيامنا الدامية لم ترتقِ ـ على سبيل المثال ـ الى الحادث الإرهابي الذي حدث في موسكو مؤخرا !!.
إننا لم نجد يوما ما في أية وسيلة إعلامية اعترافا بتقصير او فشل من هذه الجهة الأمنية او تلك ولو على سبيل الإشارة ولم نرَ مسؤولا امنيا او عسكريا واحدا يتكلم عن إخفاق جهته في درء أية عملية إرهابية او التقليل من تداعياتها قدر الامكان ، عدا المحاولات المستميتة لإلقاء اللوم من قبل البعض على الجهات الأخرى ووضع العبء الأكبر في خانة الآخرين ونفي التبعية عن نفسها وهذا ماشاهدناه عقب التفجيرات الدامية التي طالت مركز بغداد في الشهور القليلة الماضية .. كما لم تُعرف لحد الآن نتائج \"الزوبعة\" التي أثيرت حول أجهزة كشف المتفجرات التي لم تستطع أن تحمي قلب بغداد وفي صميم هذا القلب فأنىّ لها ان تحمي الأجنحة والأطراف ؟!! وكيف يحدث أكثر من يوم دام ٍ وفي المنطقة نفسها بل وفي الشارع نفسه الذي يعد احد شرايين العاصمة المهمة !!! فكيف تكرر هذا ؟والى متى تبقى الأسباب جاهزة والتبريرات تستبق الأحداث، والى متى تبقى الضبابية والشبحية تحوم حول \"الفاعل\" المستتر ويبقى المفعول وحده يدفع ثمن أخطاء الآخرين وثمن جرائم منسوبة الى فاعلين معروفين سلفا !!.
إعلامي وكاتب عراقي