تضاف طبيعة العلاقات العراقية مع المحيط الإقليمي للعراق سيما دول الجوار الى مجموعة المقاربات التي يتصف بها المشهد السياسي العام ربما كانت إحدى المؤثرات التي تصب في رسم التوصيف الذي تبدو عليه السياسات الخارجية لتلك الدول تجاه الوضع العراقي وطبيعة التعاطي معه والتفاعل مع أحداثه وبحسب التجاذبات الثنائية والمصالح المشتركة المبنية على أسس التعاون الأخوي والأطر القانونية المتعارف عليه دوليا في التعامل ضمن مبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية المحكومة بقوانين ملزمة لجميع الإطراف ...
ولكن وفي كثير من الأحيان لم يكن تعاطي بعض تلك الدول مع الشأن العراقي تعاطيا مهنيا سليما وضمن السياقات السياسية او الدبلوماسية المتعارف عليها ولم يكن الدور الإقليمي والعربي ايجابيا على طول الخط .. فقد كان العراق فيما مضى عامل جذب قومي وتفاعل إقليمي مستمر وفي غمرة انبعاث الأفكار القومية والوحدوية التي لم يتحقق منها سوى أشكالها الارتجالية الهشة وغير المعبرة عن تطلعات الشعوب المبتلاة بحكامها وأخطائهم ونزواتهم السياسية ومنها الاندفاع غير المبرمج نحو تأسيس هياكل وحدوية كارتونية او تجمعات إقليمية تصب في صالح الأنظمة اكثر مما تصب في صالح الشعوب وكانت تعبر عن توجهات سياسية مبيتة أكثر مما تعبر عن تعاطف قومي مشترك او تعبر عن مصالح إقليمية او مناطقية وفي كل الأحوال لم تخدم تلك التوجهات مصالح الشعب العراقي لان معظم الأنظمة المتعاقبة كانت تريد بسط أجنحتها فوق ربوع المنطقة وبشعارات حماسية فضفاضة في الوقت الذي كانت تنشر مخالبها الحديدية فوق ربوع العراق فكانت تلك الأنظمة ذات وجهين متناقضين الأول الوجه القومي \"البشوش\" والمنفتح حيث الأيادي ممتدة وبسخاء حاتمي نحو \"الأشقاء\" تحت شعار المصير العربي المشترك و(بلاد العرب أوطاني من وهران الى بغدان) ، ووجه آخر محلي متجهم فظ ممتد بالحديد والنار والتمايز العنصري والقومي والمذهبي كأسلوب لإدارة بلد متعدد الاثنيات كالعراق لتتشكل ملامح تفاصيل الوجه الحقيقي لتلك الأنظمة وبشكل لا يمتُّ للوطنية ولا للقومية بأية صلة كما لا ينتمي الى أي نموذج سياسي متعارف عليه في العرف الدولي ليتشكل لنا وجهان احدهما اغرب من الآخر في الانجذاب القومي والإقليمي والتغريد خارج السرب الوطني وتغليب \"المصلحة\" القومية على المصلحة الوطنية ، فتشكلت بناء على ذلك قطيعتان إحداها مع السلطة بالرفض الشعبي المزمن والمستمر للأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة ومنها النظام الصدامي البائد، الأمر الذي أدى الى استمرار التعسف والاضطهاد كرد فعل متعاكس مابين السلطات والجماهير ، وقطيعة أخرى نتيجة الخيبة والمرارة المستمرة من الامتداد الإقليمي والقومي بسبب السياسات غير الناضجة التي كانت تنتهجها تلك الأنظمة (العراقية منها والعربية) على حساب الشعب العراقي ومختلفا في الوقت نفسه عن الأنماط العالمية الناضجة مثل العلاقات التوافقية والمصالحية الراسخة بين دول المجموعة الأوربية القائمة على حس وطني وقومي ترابطي صحيح وبناء ..فقد ضعفت بموجب ذلك الرغبة الشعبية نحو تفاعل إقليمي وقومي مع ثبات إلاحساس الشعبي العارم والتاريخي بالقيمة الإستراتيجية العراقية ومن النواحي كافة مع التركيز على أهمية العراق المحورية في التأثير المتبادل الفعال على مجمل السياسات المتعلقة بتوجهات الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة تجاه هذه المنطقة الحساسة من العالم ..
ان العراق لم تسنح له الفرصة وبتعبير آخر لم يعط َ هذه الفرصة كي يلعب دوره الحقيقي والتاريخي على الصعيد الوطني والإقليمي وحتى الآسيوي فضلا عن العالمي ويلاحظ ذلك واضحا في فرادة الوضع العراقي وغرائبيته عن محيطه الإقليمي من خلال سخونة أحداثه وعدم استقراره المزمن وعلى كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنموية وغيرها ، كما ان الظروف العسيرة والصعبة والمأساوية التي مر بها العراق نتيجة الأخطاء الإستراتيجية الفادحة التي ارتكبت إبان العقود الفائتة ،صنعت وضعا داخليا مشوشا للغاية ومأزوما بصورة مستمرة مما هيأ المناخ \"الملائم\" لتسرب الأجندات المبيتة والمغرضة التي اعتبرت الساحة العراقية المسرح المناسب لتمريرها يضاف الى ذلك ان السياسات الخارجية لم تكن متوازنة او ناضجة ومتسمة بالتخبط والعشوائية ...
بعد سقوط اخر معقل للديكتاتورية لم يتسنَّ للعراق ان يلتقط أنفاسه أو يضع نفسه في مساره اللائق به لأسباب تتعلق بالأجندات التي لم تشأ ان ترى العراق احد اللاعبين الفاعلين على الساحتين الإقليمية والعربية والدولية ، وممارسا دوره الطبيعي الذي أقصي عنه لعقود طوال ولأسباب سياسية داخلية وخارجية متشابكة ومتداخلة ..فقد تأرجح الموقف الإقليمي والعربي بخصوص الشأن العراقي مابين السلبي المتفرج وكأن تداعيات الأحداث العراقية لا تعني \"المتفرجين\" أو أن \"النار\" العراقية مازال بعيدة عن تخومهم ، ومابين السلبي المتفاعل مع ذلك الشأن وبدرجات متفاوتة من السلبية والتورط في المطب العراقي الذي بات مكشوفا ولأسباب هي مكشوفة ايضا في حين ضاعت التوجهات الايجابية على قلتها وشحتها وسط هذه المعمعة ولعدم جدية الكثير من الأطراف الإقليمية في التعاطي الايجابي مع الشأن العراقي خاصة تلك التي لا تحب ان ترى العراق معافى سليما ومتبوئا مكانته الإستراتيجية اللائقة به .
إعلامي وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- التعدد السكاني أزمة السياسة العراقية القادمة
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى