- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كربلاء الأولى في الأتربة والقمامة وانعدام الخدمات والكلاب السائبة
التقرير الذي أصدرته وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي وأعلنت فيه أن محافظة كربلاء حققت المرتبة الأولى بإنجاز المشاريع بنسبة تنفيذ في مشاريعها خلال عام 2007 قدرت بـ (90%)، إذ قامت بصرف 64 مليارا 788 مليون دينار من تخصيصاتها البالغة 90 مليار، ثم جاءت بعد كربلاء محافظات ميسان وبابل، وهذا ما جعل من عبد الأمير الكناني رئيس تحرير جريدة (إعمار كربلاء) بأن يفتخر ويتباهى بلغة الأرقام التي أعلنتها وزارة التخطيط متهكما كل من ينتقد حركة الإعمار البطيئة التي تشهدها المحافظة واصفا إياها (إطلاق الكلام على عواهنه وتضمين تضاعيفه بسهام الاتهام ليس أيسرها الفساد والسرقة) على حد وصفه.
وأجاب المحرر المحترم نفسه عندما قال ربما يقال: (ولكن أين هو الإعمار الواضح للعيان، يأتيك الجواب من أهل الشأن والعهدة عليهم: أن ما تحتاجه باطن الأرض أكثر إلحاحا من سطحها، ومازالت مشاريع الصرف الصحي تقول هل من مزيد) إلى هنا إنتهى كلام السيد الكناني...
ونقول له أين تعيش أنت؟ إن قلت في كربلاء فالوقائع تكذب ذلك وإن كنت خارج كربلاء فحالك حال وزارة التخطيط تصدر النسب اعتمادا على التقارير والأرقام التي تصلها بعيدا عن أرض الواقع المرير الذي يعيشه المواطن الكربلائي والزائر على حد سواء، كأنما نحن في واد والمسؤولون في الحكومتين المحلية والمركزية في واد آخر.
نسأل السيد الكناني المحترم ما الفائدة من مجاري الصرف الصحي التي تتباهى بها وإنها في الحقيقة ولدت ميتة، إذ أن قطر الرئيسية منها في الشوارع العامة لا يتعدى الخمسين سنتمترا، وشبكات الصرف الصحي المؤدية لها قد امتلأت بالأتربة والقمامة قبل البدء بتشغيلها رسميا، إذ أن بعد انجازها تترك دونما اكساء ما حولها وتبليط الشوارع والأرصفة المحيطة بشبكاتها ما يجعلها عرضة لامتلاءها بالأوساخ والتراب، ناهيك عن أنها ضيقة وعجبا للمسؤولين في الإدارة المحلية كأنهم معزولون عن العالم الخارجي ولم يشاهدوا بأم أعينهم من خلال الأفلام السينمائية والوثائقية المجاري الرئيسية في الدول المتقدمة وحتى النامية إذ أنه يمشي من خلالها إنسان بكامل طوله، وحتى تسير في بعضها سيارات وهي تستخدم ليس للمجاري فحسب بل أنها تستخدم لتسليك الهواتف والمياه وبقية الخدمات التي بحاجة إلى تسليك حفاظا على الشوارع من التكسير والتخريب.
ونحن أهالي كربلاء المقدسة يعترينا الخجل والأسف في آن واحد، كيف كانت كربلاء وكيف أصبحت وما ينبغي أن تكون عليه لاسيما بعد انعتاقها من قيود الدكتاتورية والأنظمة الفاسدة؟!!! الكربلائيون يتذكرون كيف كانت كربلاء في الستينات وبداية السبعينات لاسيما قبل مجيء البعث البائد، كانت عامرة بالحدائق والمتنزهات والساحات الخضراء على صغر حجمها وكيف كنا نذهب إلى ساحة باب بغداد وساحة الحسين ومنتزه الحسين نهاية شارع القبلة لنجلس على الثيل الأخضر ونتجاذب أطراف الحديث مع الأصدقاء ونطالع الكتب الدراسية أوقات الامتحانات تحت أنوار أعمدة الكهرباء.
تقلصت تلك الحدائق ويبست الأشجار فيها وتحول الثيل من الأخضر إلى الأصفر نتيجة الإهمال في النظام البائد، ولكن الذي يحز في النفس أن الحكومة المحلية والمركزية المنتخبة ومع علمها ما تحمله كربلاء من خصوصية في المكان والمراقد التي تضمها وما تمثله من رمزية مقدسة في قلوب الملايين من البشر في شتى أصقاع العالم، على الرغم من كل ذلك نجد كربلاء وبالذات المركز أرصفتها مكسرة، شوارعها مليئة بالمطبات والحفر، وأنها مليئة بالأتربة التي عندما تمطر تتحول إلى برك مائية تملأها الطين والوحل، الذي يجعل من المواطن يقفز من بينها لكي يتحاشى إصابة ملابسه وبدنه المزيد منها، ناهيك عن الساحات التي اجتثت فيها الأشجار وأبيد فيها الثيل الأصفر وتحولت إلى أماكن للقمامة ولاسيما في المناسبات المليونية، تتجول بين كوماتها الكلاب السائبة وكأننا نعيش في أحدى قرى غابات الأمزون.
مما حدى بإحدى زائرات كربلاء من إحدى دول الجوار إزاء هذا الواقع المزري من أن تقف أمام باب قبلة الإمام الحسين عليه السلام مؤخرا معاتبة الإمام الهمام هل شحت الأماكن في العالم لكي تنتخب سيدي ومولاي كربلاء لكي تكون مثوى لقبرك وضريحك الطاهر، تركت كل هذه البقاع الجميلة في الأرض وأتيت إلى كربلاء حيث الأتربة والأوساخ والقمامة والكلاب السائبة وانعدام الخدمات فلا ماء ولا كهرباء ولا هاتف ولا وقود ولا بانزين ولا نفط ولا ولا ولا... بالرغم من أننا نتحفظ عما ذكرته تلك الزائرة ونعتبر ما بدر منها نزوة عابرة اقتضتها الصدمة التي ألمت بها خصوصا إذا عرفنا أنها تعيش في دولة قد وفرت لها كل تلك الخدمات التي يبدو أنها أصبحت عصية على الشعب العراقي المسكين.
بعد كل ما قيل وأنا لا أريد أن أدخل في مهاترات وسجالات لا مع عبد الأمير الكناني الذي يدافع عن الإعمار في باطن الأرض في كربلاء ولا مع غيره، ما يهمنا أن ننهض جميعا بالمسؤولية تجاه مدينة الإمام الحسين عليه السلام التي تعد من أعظم البقاع ليس في الحياة الدنيا فحسب بل أفضل وأطهر البقاع في الدنيا والآخرة حسبما ورد في العديد من الروايات المتواترة عن أهل البيت عليهم السلام، لا داعي للإتهامات ولا داعي للمساجلات فلينفض الشرفاء من أهالي كربلاء غبار الماضي السحيق عن تلك المدينة المقدسة ولينهضوا بها عمرانيا وثقافيا وحضاريا، فإنها محط أنظار العالم الإسلامي بل محط أنظار الأحرار في جميع أنحاء العالم ولابد للمشاريع التي تنفذ تكون لائقة بمكان مثل كربلاء وبإمام ذات خصوصيات منفردة كالإمام الحسين عليه السلام، حتى تكون ثمة سنخية بين الخدمات المقدمة وبين عظمة التربة وصاحبها التي نتشرف نحن الكربلائيون بخدمته وخدمة زواره الكرام.