تعودتْ أم زهراء أن تتخلص من كل ما لا تحتاجه من الملابس القديمة والأدوات المنزلية وحتى الأجهزة الكهربائية والأثاث .. وتعطيها لامرأة تزورها بين الفينة والأخرى ...بدأت الحكاية بأكياس من الخبز اليابس الذي يستخدم كعلف للحيوانات ...ومن ثم تطورت الفكرة لتشمل كل ما لا تحتاجه ..إذ كانت أم زهراء تخشى في البداية إدخال تلك المرأة إلى بيتها ..ولكن تدريجيا صارت العلاقة بين الاثنتين أشبه بالصداقة ...بعد أن عرفت أم زهراء بان تلك المرأة ما هي إلا واحدة ممن شاءت أقدارهن أن تعيش بين النفايات وتقتات عليها.
تقول أم زهراء : في يوم ما ..منحت تلك المرأة مولدة كهربائية عاطلة ..وجاءت لتأخذها في اليوم التالي لأنها لم تكن قد جلبت حمارها معها وحين قدمت مع الحمار كانت قد جلبت معها نصف أولادها وهم ثلاثة ..لم استطع إخفاء الشعور بالقرف...فلم أميز إن كان لونهم الأصلي اسود ..ام إن الأوساخ فعلت بهم فعلها ..كانوا حفاة ..ورائحتهم كريهة .. فقلت لأم ياسين وهي المرأة التي تحدثت عنها: لماذا لا تدخلين أولادك للحمام ...ضحكت أم ياسين وقالت :وأين هو الحمام ..نحن نعيش في خيمة قريبة من النفايات التي تتخلص منها البلدية ...ونعتمد على الماء الذي نجلبه من المزارع القريبة ..مزارع الصحراء ...ونقضي حياتنا في تربية المواشي القليلة التي استطعنا امتلاكها ..وجمع ما نجده في النفايات ..نجمع كل شيء ممكن أن يفيدنا ..فالطعام للحيوانات ..والقناني الفارغة وغيرها من الأشياء من الأواني والأجهزة القديمة نبيعها لأصحاب المعامل ليعيدوا تصنيعها من جديد ..وقد نجد طعاما لم يتلف بعد في النفايات ..نستخدمه كوجبة غداء أو عشاء ...
من المعروف إن تلك الظاهرة تنتشر في أنحاء العراق كافة ..وليس في كربلاء وحدها ...ولكن لمدينة كربلاء خصوصية دينية ..وتصلها الكثير من أموال الخمس والزكاة ... لذا فقد كان من المفترض تخصيص قسم من تلك الأموال لتلك العوائل ...حيث يعيشون في مستعمرات صغيرة ..أشبه بأحياء التجاوز إلا إنها أكثر بؤسا ..والفرق أيضا أنهم يحطون رحالهم أينما وجدت النفايات.
وتحاول مديرية الصحة ومديرية البلدية حرق النفايات بين مدة وأخرى كونها تحمل أمراضا فتاكة... يقول احد رجال الدين المسؤولين عن توزيع أموال الخمس والزكاة ...نحاول بين الحين والآخر زيارة تلك المناطق المعدمة تقريبا ..وقدمنا المساعدات المادية ..والعينية..ولكن يبدو إن البعض استغل هؤلاء الناس ..وأكثرهم من أرباب هؤلاء العوائل ممن اعتمدوا على النساء والأطفال في استحصال الرزق ..فترى الرجل متزوجا بأكثر من واحدة ..ولديه فريق من الأطفال جميعهم يعانون من أمراض جلدية مؤلمة...يتناولون ما يحصلون عليه في المزابل ..وقد يتصارعون من اجل كسرة خبز وجدوها في واحدة من أكياس النفايات .
ويسخر(صادق مهدي) وهو سائق سيارة أجرة من القدر الذي بعث له بطفل من هؤلاء.. فطلب منه الإبتعاد عن السيارة ..فما كان من الطفل إلا أن شتمه ووصفه بأنه هو القذر..وأضاف صادق: يجب أن تتدخل وزارة الصحة لإيقاف مثل تلك المهازل اليومية ..لقد رأيت قبل أيام امرأة تجلس وسط كومة من النفايات ..وتلف قطعة جبن وجدتها بين النفايات ..في قطعة من الخبز اليابس ...وحين قلت لها بان النفايات مليئة بالجراثيم والأمراض ..ضحكت وقالت :المرض ولا الجوع ..ساعدتها ولا ادري إن كانت صادقة ..أم أنها تابعة لشركات التسول التي انتشرت في المدة الأخيرة وضمت تحت جناحها كل المتسولين من كافة الأعمار.
وتعلق الطبيبة (منى صادق) : التلوث مشكلة العصر ..ونحن تعرضنا لتلوث أكثر من سوانا من البلاد ..وكم من أفراد من هؤلاء العوائل التي تعيش على المزابل لقوا حتفهم بسبب انفجار عبوة وسط النفايات ...أو جراء تناول الأطعمة الفاسدة ...وقد حاولت الفرق الصحية أن تصل إلى تلك المناطق أحيانا ...ولكن ما الذي يمكن أن تفعله دائرة الصحة ..بعد أن استنفدت كل الطرق مثل حرق النفايات والتلقيح ..ولكن يعودون للإستعمار في ارض أخرى ..فيها نفايات ..فضلا عن انتشارهم برفقة عرباتهم التي يجرها غالبا حمار متعب ..في الأحياء السكنية ..والبحث في نفايات تلك الأحياء ..والإعتماد أيضا على ما يقدمه بعض الناس لهم من مساعدات...وبرغم أنهم يلوثون البيئة إلا إن الناس تعودوا عليهم بل وصاروا ينتظرونهم للتخلص من كل الأشياء الفائضة عن حاجتهم.. برغم أنهم لا يخفون خشيتهم منهم كون المقتاتون على النفايات تملؤهم علامات الإستفهام ...ويخاف البعض منهم ..فقد يكونوا إرهابيين ..أو لصوصا قد يسرقون أي بيت يطأونه بحجة الحصول على فائض حاجيات هذا البيت. ..أما التزاوج .. فمن المستحيل أن تحصل زيجات إلا بين أفراد تلك العوائل ..لان المهنة واحدة ... برغم إن الكثيرات من بنات هؤلاء العوائل الفقيرة يعتلين حميرهن باحثات بين النفايات ..متسخات ..إلا أنهن لا يسلمن من التحرش ..بل وتعرضت بعضهن للإستغلال من بعض شبكات التسول عن طريق الخديعة ..التي تؤملهن بحياة أفضل وخلاص من دنيا النفايات إلا إنهن يصطدمن بواقع إنهن راحلات من النفايات نحو التسول .
وتقول مسؤولة لجنة الضمان الإجتماعي في كربلاء بأنهم يحاولون مكافحة ظاهرة المتسولين ..ولكن لا يعرف أن كانوا يقصدون أيضا المقتاتين على المزابل .أما لجنة حقوق الإنسان فتكتفي بأن تزورهم وتسجل زياراتها مع توزيع بعض الإعانات الطفيفة...هؤلاء يعيشون ليومهم فقط بلا تفكير في الآتي ...ما يهم هو أن يناموا وقد امنوا وجبة أو وجبتي طعام بعضها مما يمكن ان يكون فضلات طعام في نفايات الغير.. يقول احد العاملين في لجنة حقوق الإنسان ..أكثر هؤلاء هم من العوائل الفقيرة النازحة ...والآخرون هم ممن فقدوا المعيل في عوائل معدمة .
ميساء الهلالي
أقرأ ايضاً
- فرع كربلاء لتوزيع المنتجات النفطية: الخزين متوفر والمولدات الاهلية تتسلم كامل حصصها من الكاز هذا الشهر
- تحول إلى محال تجارية.. حمّام اليهودي في كربلاء (فيديو)
- مكونة من ستين منسفا وصينية.. سفرة طعام طويلة على طريق الزائرين في كربلاء المقدسة (صور)