مثلما تميزت وتخصصت مدينة كربلاء المقدسة القديمة واطرافها وهيئاتها ومواكبها في اقامة العزاء الحسيني واطعام الطعام خلال العشرة الاولى من شهر محرم الحرام "عاشوراء"، تميزت ايضا بإقامة الشعائر بتوقيتات محددة، حيث تبكر مواكبها الحسينية "اللطم والزنجيل" بالمسير في الشوارع المحيطة للعتبتين المقدستين والدخول الى صحني الامام الحسين واخيه ابي الفضل العباس (عليهما السلام) ثم الذهاب الى اطعام المعزين والزوار يوميا، ومن ابرز الهيئات التي تحيي الشعائر هي هيئة سفينة النجاة.
وقال مسؤول الهيئة السيد احمد العوادي في تصريح لوكالة نون الخبرية ان" الهيئة تأسست في سبعينيات القرن الماضي أي قبل خمسون عاما، ومن الرعيل الاول في تأسيسها الحاج حسين زيارة، وكانت الخدمة قليلة ليست كما هي الآن لان الامكانيات تختلف وعدد الزائرين اقل بكثير مما هو عليه الآن، وكنا نضع عدد من خزانات الماء الفخارية "الحِب" وطاسات الماء سبيل للمعزين، ويتكفل من يقرر اقامة مجالس العزاء في بيته بإطعام المعزين في البيوت وعلى مستوى محدود وليس كما هو الآن من وضع عشرات القدور الكبيرة في الشوارع او المواكب والهيئات، وكل بيت يتكفل بعد الانتهاء من مجلس العزاء والحاضرة واللطم باعداد وجبة الغداء في احد ايام المحرم، لان عدد الحاضرين المعزين محدود ومعروف ويتم اطعامهم على هذا الاساس، لان التبليغ للحضور يكون بشكل شخصي ومحدد وليس كما هو الآن متاح لمن يريد المشاركة".
واضاف العوادي ان "اشهر البيوت التي تقيم تلك المجالس هي بيت سيد حسين العرداوي في حي الاسرة، كما تقام في بيوت باحياء العباس والجمعية، ويكون العدد محدودا بسبب المضايقات الامنية التي تمارسها طغمة البعث المقبور، حيث كانت عيونهم تترصد تلك الشعائر واقلامهم تلقي التهم على المعزين، ورغم ذلك يصر الكربلائيون على اقامة تلك الشعائر لانها جزء مهم من عقيدتهم واحياء مذهبهم، ويحضر معهم معزين من بغداد والقاسم والحلة، وطالما تعرضنا الى مداهمات زبانية الامن واعتقال صاحب العزاء وعدد من المشاركين، ونعود لاقامتها في بيت آخر، وللابتعاد عن عيون السلطة نتفق سرا على حضور محدود للثقاة من المعزين اقامة العزاء من محاضرة ومجلس لطم واعداد وتقديم الطعام في البساتين، ورغم الخوف والمخاطر الا ان روحانية شعائر الحسينية عظيمة ولا توصف فالحضور يكون كبيرا، كما كنا نستقل زائرين من محافظات اخرى سرا في زيارة الاربعين عند الساعة الثانية ليلا ونؤيهم في بيوتنا ونقوم بتنظيف باطن اقدامهم من "الشوك" الذي علق بها من جراء سيرهم ليلا وخلسة في البساتين".
واوضح ان" اصرار الكربلائيين على احياء شعائر الحسين واهل البيت (عليهم السلام) متوارث من جيل لاخر، فانا في اول ادراكي شاهدت ابي يرتدي السواد يخدم الزوار ويقيم العزاء ويطعم الطعام ويشارك في مجالس اللطم، فولدت خادما حسينيا وسرت انا واخوتي واقاربي وجيراني على هذا النهج المبارك، وعلى مستوى العائلات فأن اقامة المجالس الحسينية النسوية منهج سارت عليه عائلات كربلاء جميعها لذلك فان ابناء كربلاء شربوا حب الحسين من ابائهم وامهاتهم، وما يستحق الذكر ان منع الشعائر في ثمانينيات القرن الماضي اصبح شديدا جدا، واقامتها تعني التعرض للاعدام، لكن رغم ذلك ومن حبنا للحسين الشهيد، كنا نتحدى السلطة الغاشمة في ليلة العاشر من المحرم، ونضع اريكات "كرويتات" امام باب احد البيوت ونصنع الشاي في "منقلة"، ونجلس كل مجموعة صغيرة من الجيران على حدة نتحدث عن الحسين ومصيبة كربلاء ونشعل الشموع ونبقى للصباح على هذا الحال".
وينتقل العوادي للحديث عن مرحلة ما بعد زوال الطاغية وحكمه الفاشي بالقول" اما الآن فتقوم الهيئة بتقديم الطعام لاهالي كربلاء والزائرين من مختلف المحافظات وباقي الجنسيات العربية والاجنبية منذ الاول من المحرم لغاية يوم اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)، وفي كل ذكرى لاستشهاد لاحد الائمة الاطهار نقوم بتنظيم مجلس عزاء فيه محاضرة دينية ولطم وتقديم الطعام، وهذا الموسم جهزنا كمية (3) اطنان من الرز ومعها باقي مستلزمات اعداد وجبات الطعام من الزيت واللحم والمعجون وغيرها، وتعزز هذه الكميات حسب الصرف، وتجمع الاموال بشكل تكافلي وتبرعات من اشخاص كربلائيين ميسورين، وكل صباح في العشرة الاولى من محرم يسير اعضاء الهيئة في موكب حسيني راجل في محيط العتبتين المقدستين وداخلهما فيه اللطم وقراءة القصائد والزنجيل، وسابقا كان رادود الهيئة هو السيد "حسن اللولجي"، والآن يقرأ في الهيئة الرادودان ملا قيس وملا محمـد، وبعدها نقدم الطعام لعموم الناس من العراقيين والعرب والاجانب لان كربلاء اصبحت في انظار العالم، حيث اعددنا (11) قدرنا كبير الحجم من الطعام ويقف اعضاء الموكب جميعا "معازيب" لخدمة الزائرين، ثم نقوم بالتحضير لما سنقدمه في اليوم التالي مع الاستمرار بتوزيع الماء، ونستمر بالخدمة من اول محرم الى الاربعينية ثم نتوجه سيرا على الاقدام الى النجف الاشرف لاحياء ذكرى استشهاد الرسول الكريم محمـد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- نصف مليون متسول في العراق.. 90% منهم يحصلون على رواتب الرعاية
- لرعاية النازحين :العتبة الحسينية تفتتح مركز رعاية صحية في مستوصف الرسول الاكرم في لبنان(فيديو)
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها