تشكل الهجرة من الريف إلى المدينة مشكلة اقتصادية واجتماعية، وهي ظاهرة قديمة لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حل لها، وفي السنوات الأخيرة تفاقمت الحالة بسبب موجة الجفاف وقلة الأمطار التي يعاني منها العراق، وأدت إلى انخفاض مناسيب المياه في الأنهار والأهوار، ما دفع المزارعين ومربي الماشية والجاموس، إلى هجر مناطقهم والتوجه إلى المدن، بينها محافظة كربلاء، كون وجودهم مرتبطا بالماء.
ويقول حسين محمد (54 عاما)، وهو أحد مربي الجاموس، إن “أزمة الجفاف والأعلاف اضطرتني إلى ترك محافظتي ذي قار والهجرة إلى محافظة كربلاء، بسبب الظروف التي مرت بي، فنحن مربو الجاموس نسكن الأهوار أو على ضفاف الأنهار، لكون هذا الحيوان يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه، وكذلك يحتاج في الإطعام إلى القصب والبردي بالإضافة للأعلاف”.
ويضيف محمد، “لا نستطيع العيش في المناطق التي كنا نسكنها من قبل لأنها لا يوجد فيها ما يناسب تربية الجاموس، وكذلك أن الغلاء المعيشي أثر سلبا على تربية هذه الحيوانات، وبالمقابل فإن أسعار الحليب ومشتقاته منخفضة جدا”.
ويلفت إلى أن “جفاف الأهوار والأنهار أجبر الكثير من مربي الجاموس على ترك منازلهم وقراهم في المحافظات الجنوبية والتوجه إلى المحافظات الوسطى”.
وكان النائب الأول لرئيس مجلس النواب في الدورة السابقة حسن الكعبي، قد كشف خلال بيان صدر في 20 آيار 2019، عن تراجع أعداد الجاموس في العراق من 1.2 مليون إلى أقل من 200 ألف جاموسة، داعيا إلى العمل وبسرعة لإيجاد الحلول اللازمة لهذه المشكلة.
بدورها، تؤكد نائب رئيس لجنة الزراعة والمياه والأهوار النيابية، سوزان كوجر، أن “الثروة الحيوانية هي من الأسس المهمة لواردات البلد، وكذلك مورد اقتصادي مهم، سواء محليا أو للتصدير إذا كان هناك دعم جيد لهذا القطاع”.
وتتنبه إلى أن “الثروة الحيوانية تأتي بالمرتبة الثالثة بعد النفط والزراعة، ولغاية قبل فترة قريبة لم تكن الظروف جيدة لهذا القطاع بسبب الجفاف والتصحر، وأيضا كان هناك دعم غير كافي من الحكومة”.
وتبين كوجر “يجب أن يكون هناك دعم للثروة الحيوانية لتطويرها والنهوض بها والتوجه إلى تصديرها مع منتجاتها المختلفة كاللحوم والبيض والعسل والجلود وغير ذلك”.
وتشير إلى أن “العراق يفتقر للخطط المتعلقة بالنهوض بالثروة الحيوانية والعاملون في هذا القطاع يطالبون بأن تكون هناك خططا إستراتيجية في المستقبل لتنميته، كما يجب على الفلاحين ومربي المواشي بذل جهود أكبر لتطوير أعمالهم”.
ويشهد العراق منذ سنوات أزمات مياه تظهر بنحو لافت في أشهر الصيف وبداية الخريف حيث تنقطع الأمطار وترتفع معدلات تبخر المياه، بسبب التغيير المناخي والجفاف الذي أحدثه تقليص تركيا لإمدادات المياه لنهري دجلة والفرات النابعين من أراضيها وبنسبة تصل الى 70 بالمئة، إلى جانب قطع إيران لمعظم الجداول والأنهر العابرة من أراضيها والتي كانت تغذي سابقا نهر دجلة في العراق.
وانخفض معدل الكميات المائية الواردة الى العراق بحسب البيانات التي اعلنها الجهاز المركزي للإحصاء، من نهري دجلة والفرات لعام 2021 -2022 عن العام 2020-2021 بمقدار 6.74 مليار متر مكعب.
وبلغت مساحات الأهوار المغمورة بالمياه في العام 2019 نحو 5600 كيلومتر مربع، قبل أن تتراجع بسبب الجفاف بنسبة 96 بالمئة في العام 2023 بحسب منظمة طبيعة العراق الناشطة في المجال البيئي.
من جانبه، يؤكد الخبير بالثروة الحيوانية، عادل المختار، أن “الثروة الحيوانية تعرضت لانتكاسة كبيرة بسبب الظروف أو السياسة التي تنتهجها وزارة الزراعة، وعلى سبيل المثال تعامل الوزارة مع قطاع الدواجن غير صحيح، فهي تقوم بمنع الاستيراد لتعزيز الإنتاج المحلي إلا أن هذا الإجراء يؤدي إلى الأسعار والمواطن هو من يتحمل الثمن”.
ويوضح “إذا تم تغيير سعر صرف الدولار وقفز قفزة كبيرة فإن حقول الدواجن تتكبد خسارة فادحة، فلذلك هذه السياسة غير صحيحة، وكان من المفروض على مشاريع الدواجن أن تعمل ببرنامج وطني حتى يتم المحافظه على سعر جيد للمواطن”.
وفيما يتعلق بالجاموس، يشرح المختار، قائلا، إن “مشكلة الجاموس تتعلق بالأعلاف، وهي مشكلة كبيرة جدا أدت إلى انهيار قطاع الجاموس، بالإضافة إلى شح المياه، وبحسب تصريح لوزارة الزراعة في إحدى الفضائيات فإن 7000 جاموسة هلكت بسبب قلة المياه وهذا الرقم كبير جدا”.
ويتابع “بصورة عامة فإن الثروة الحيوانية تعاني من عدة مشاكل، كما أن محطات الأبقار متوقفة أيضا والإسحاقي واللطيفية، والأخيرة استوردت كمية الأبقار إلا أن عددا كبيرا منها نفقت ما تسبب بخسارة مالية فادحة للمحطة”.
ويختم المختار حديثه “هناك ثلاثة عوامل تدخل في واقع الثروة الحيوانية، تكلفة الإنتاج، والتسويق الزراعي، وأزمة المياه، جميع هذه العوامل المهمة أدت إلى انهيار الثروة الحيوانية في العراق، أما الاسماك فإن وزارة الموارد المائية تفتخر بأنها أغلقت نحو 7000 بحيرة أسماك بسبب تجاوزات من أصحابها، لكن ما هو البديل”.
يذكر أن وزارة الزراعة، سبق وأن أقرت في حديث لـ”العالم الجديد”، بغياب الدعم الحكومي للمزارعين ومربي الحيوانات، سواء من ناحية الأعلاف أو البذور أو الآليات.
وتعصف بالبلد أزمة على مستوى الإنتاج المحلي، وخاصة الدجاج والأسماك والخضار، بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف والمواد الأولية في السوق السوداء، وغياب الدعم الحكومي، ما دفع العديد منهم إلى ترك هذه الأعمال والهجرة نحو المدينة بحثا عن عمل آخر.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- تبعد (165) كيلومتر عن دمشق: يد السيستاني الرحيمة تغيث اللبنانيين في حمص السورية(فيديو)
- الكويت: إسقاط الجنسية عن رئيس "حكومة الغزو المؤقتة"