ما يزال نفط إقليم كردستان يثير الجدل، فبعد أن أوقفت تركيا تصديره عبر خط جيهان إثر قرار محكمة باريس، وأخذت تماطل في استئناف التصدير منذ اكثر من عام، كشفت معلومات عن تهريب الأحزاب في الإقليم للنفط بربع سعره العالمي، وهو أساس استمرار الرفض التركي لإعادة التصدير بشكل رسمي.
تهريب النفط من الإقليم لتركيا، يتم عبر صهاريج وبأكثر من 200 ألف برميل يوميا، وهو ما كشفه الاتحاد الوطني واتهم الحزب الديمقراطي بإدارة هذه العملية، لكن فيما نفى الأخير هذه الاتهامات، أكد مراقبون أن عملية التهريب “مستمرة”، والحكومة الاتحادية على دراية بها، لكنها “تغض الطرف” بسبب المصالح السياسية مع الإقليم.
ويقول مستشار شؤون الطاقة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بهجت أحمد، أن “نسبة إنتاج النفط في الإقليم يوميا هي بحدود 320 ألف برميل إلى 350 ألف برميل، وهذا هو الإنتاج الكلي، وقسم منه يتم بيعه للمصافي المحلية في الإقليم، وبسعر زهيد جدا يصل إلى 40 دولارا”.
ويضيف أحمد، أن “باقي الإنتاج يتم تهريبه من خلال تجار النفط إلى خارج الأراضي العراقية وتحديدا إلى تركيا، ويتم بيع سعر البرميل الواحد بـ30 دولاراً”، مبينا أن “النفط يتم تهريبه من قبل تجار متنفذين، وأن 95 بالمئة من الحقول التي يتم التهريب منها تقع في محافظتي أربيل ودهوك، وهي تحت سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويوضح أن “تركيا ستبقى تماطل في مسألة استئناف تصدير نفط الإقليم بشكل رسمي، لأن النفط يصلها يوميا بحدود 200 ألف برميل بسعر 30 دولاراً، بينما السعر الرسمي يفوق 80 دولاراً”.
وأوقفت تركيا تصدير 450 ألف برميل يوميا من إقليم كردستان عبر خط الأنابيب العراقي – التركي في 25 آذار 2023، بعدما أصدرت غرفة التجارة الدولية في باريس، حكمها لصالح بغداد في قضية تحكيم.
ويصدّر العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 85 بالمئة من نفطه الخام عبر موانئ في جنوب البلاد، لكن الطريق الشمالي عبر تركيا ما يزال يمثل نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
من جانبه، نفى عضو لجنة الثروات الطبيعية في برلمان كردستان جهاد حسن، والعضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني، “وجود عمليات تهريب بهذه الكميات الكبيرة من النفط”.
ويبين حسن، أن “الشركات النفطية الأجنبية العاملة في الإقليم أغلبها أوقفت أعمالها بسبب قرار المحكمة الاتحادية، كما أن كميات النفط وضعت تحت إشراف شركة النفط الوطنية سومو”، مضيفا أنه “لا توجد هذه الكميات الكبيرة حتى يتم تهريبها، وكل النفط وضع تحت إشراف سومو، وهي من تأخذ الجزء الأكبر وتحوله إلى المصافي، ليتحول للاستهلاك المحلي”.
ويشير إلى أن “هناك استهداف سياسي ومبالغات لغرض التسقيط بالإقليم، وكيل الاتهامات من دون أدلة، بينما هناك مباحثات فنية لغرض التوصل لاتفاق يتم من خلاله استئناف تصدير نفط كردستان”.
وأصدرت المحكمة الاتحادية، في منتصف شباط 2022، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية.
وفي 19 حزيران الماضي، شهدت العاصمة بغداد، عقد اجتماع بين وفد تقني من وزارة الطاقة التركية، مع مسؤولين عراقيين في قطاع النفط، شهد مناقشة استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان عبر ميناء جيهان التركي، لكن من دون التوصل إلى أي اتفاق.
وما تزال تركيا منذ عام تماطل باستئناف تصدير النفط، حيث امتنعت عن تسديد الغرامة المفروضة عليها للعراق، وطالبت بغداد بالتنازل عنها، لكن بغداد رفضت هي الأخرى التنازل عن الغرامة، والبالغة 1.5 مليار دولار.
إلى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي الكردي هفيدار شعبان، أن “عائدات النفط المهرب آخذة في الارتفاع، وبالتالي من الصعوبة استئناف صادرات النفط في القريب العاجل بشكل رسمي”.
ويتابع أن “الإيرادات اليومية من النفط المهرب تشهد ارتفاعاً، حيث يبلغ متوسط الإنتاج والتصدير أكثر من 318 ألف برميل يومياً، ومتوسط الإيرادات الشهرية حوالي 555 مليون دولاراً”، مضيفا أنه “من الصعب تحديد موعد تصدير النفط من إقليم كردستان بسبب ضعف الضغط من قبل الحكومة الاتحادية”.
ويلفت إلى أن “الحزبين الرئيسين الحاكمين في الإقليم يستفيدان من تأخير تصدير النفط عبر خط أنابيب النفط كركوك – الموصل – تركيا، لأن لديهما مصالح شخصية من حيث زيادة رؤوس أموالهما، كون الناقلات ما زالت مستمرة في تهريب النفط”.
ووفقا لتحليل نشرته وزارة النفط سابقا، فإن العوائد المالية لحكومة الإقليم تشكل بنسبة لا تزيد عن 80 في المئة كمعدل بعد استقطاع كلف الإنتاج (كلفة إنتاج برميل النفط)، بينما تشكل العوائد المالية لجولة التراخيص الأولى والثانية التي أقامتها بغداد من 94.5 في المئة إلى 96.5 في المئة، وأن كلفة الإنتاج تعادل 4 أضعاف كلف الإنتاج في جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية، ومن جانب أخر، وقعت حكومة الإقليم على نفسها من خلال عقود المشاركة بالإنتاج التزاما تعاقديا بإعفاء المقاولين من الضرائب وسمحت لهم بتضخيم أرباحهم دون فرض أي نوع من أنواع الضرائب أو مشاركتهم تلك الأرباح المتضخمة وخصوصا عند أتفاع أسعار النفط عالميا.
وبحسب وزارة النفط الاتحادية، فإن الإقليم لم يلتزم بالحصص المخصصة للعراق بموجب اتفاقيات “أوبك” مما انعكس سلبا على الكميات النفطية المخصصة للعراق من حقول الوسط والجنوب، وبالتالي أنعكس سلبا على العوائد المالية للحكومة الاتحادية، رغم تحمل أعبائها بتأمين رواتب أبناء شعبها في الإقليم.
إلى ذلك، يوضح السياسي الكردي سردار مصطفى، أن “بغداد تعلم بما يجري من عمليات تهريب مستمرة وبشكل يومي للنفط منذ إيقاف التصدير في آذار مارس عام 2023”.
ويتابع أن “ما يجري هناك، هو عملية غض النظر لأسباب ومصالح سياسية من قبل الحكومة العراقية أو الأطراف السياسية التي لها مصالح مع أحزاب السلطة الحاكمة، وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني”، مضيفا أنه “كان بالإمكان من الحكومة العراقية الاستفادة من كميات النفط الكبيرة التي ينتجها الإقليم من خلال تحويلها إلى الإنتاج المحلي أو تصديرها عبر خط آخر، غير الخط التركي، ولكن هناك عملية غض نظر لمصالح سياسية مع الأحزاب الكردية”.
وكان وزير خارجية تركيا هاكان فيدان، زار العراق في آب الماضي، وأجرى مباحثات مع نظيره العراقي فؤاد حسين حول مسألة تصدير النفط من خلال الأنبوب الممتد من كردستان العراق إلى ميناء جيهان، لكن دون التوصل إلى حل.
من جانبه، يبين الخبير في شؤون النفط كوفند شيرواني، أن “ألخسائر جراء توقف تصدير النفط من الإقليم، ممكن أن نقسمها لعدة جوانب، فهناك خسائر للاقتصاد العراقي من جراء توقف مبيعات 400 ألف برميل من النفط يومياً، إذا اعتبرناها بالسعر المثبت بقانون الموازنة العراقي وهو 70 دولاراً، فستكون الخسارة المالية هي أكثر من عشرة مليارات دولار، وهو رقم كبير، كان يمكن أن تستفاد منه الحكومة العراقية لسد العجز في الموازنة”.
ويستطرد شيرواني، أن “الجانب الثاني، هو خسائر الشركات النفطية العاملة في إقليم كردستان هي الأخرى كبيرة، فإذا قدرنا أجور البرميل الواحد بـ12 دولاراً وهو الرقم المثبت في قانون الموازنة ستبلغ خسائرها حوالي المليار و700 مليون دولار”، متابعا “حتى في حال أعيد تصدير النفط فإنه ستكون هناك خسائر إضافية هي مصاريف تقنية وفنية لإعادة تاهيل منظومات الانتاج والنقل، والتي تركت دون استخدام لفترة طويلة، وبالتالي ستحتاج إلى معاملات خاصة وكلف إضافية أكثر من الكلف الاعتيادية التي كانت تسجل ضمن الصناعة النفطية”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"
- بغداد تتهم وأربيل ترد.. هل تعود أزمة الرواتب بإقليم كردستان للواجهة؟