- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الأحداث المتشردون.. ثنائية الضحايا والجنوح
بقلم: القاضي ناصر عمران
يذهب المختصون في تعريفهم (للتفكك الاجتماعي) كمصطلح بانه: انهيار الوحدة الاجتماعية التي يتداعى بناؤها وتختل وظائفها ويتدهور نظامها، صغيرةً كانت هذه الوحدة على مستوى الشخص او الجماعة او كبيرةً بمستوى امة وهو بالضد من التماسك او الترابط، كما ويرون في الموضوع ذاته ان التفكك الاسري : (تجاه التفاعل بين الوحدات التي تتكون منها الاسرة ضد المستويات الاجتماعية المقبولة، بحيث يحول ذلك بين الاسرة وبين تحقيق وظائفها والتي لابد من القيام بها كي توفر الاستقرار والتكامل بين أفرادها) وهناك من يراه تصدعا في علاقات الأسرة الاجتماعية داخليا وخارجيا وانحلال وحدة تماسكها وتحطم هيكل تكوينها بحيث يتعذر على اعضائها وبخاصة قادتها الاب والام واعضائها من الابناء القيام بوظائفهم تجاه بقية افراد الاسرة وبالتالي المجتمع، ان هذا التفكك يلقي بظلاله على التنشئة الاجتماعية للفرد منذ ولادته كائناً اجتماعياً وعضواً في اسرة ومجتمع معين، الامر الذي يؤدي الى خلل واضح في الاعداد لهذه التنشئة والتي تفترض دخول هذا الفرد ضمن نسق اجتماعي معين قائم على التهذيب المتأتي من آداب السلوك الاجتماعي ومنظومة القيم الخاصة بالسلوك والعادات والتثقيف البنيوي للبيئة الاجتماعية الحاضنة.
هذا التفكك الأسري تنتج عنه مجموعة من العلل التي تصيب مناعة المجتمع وتماسكه بالضعف والتشرد احد هذه العلل، ومعناه لغةً (الطرد) والمتشرد لغةً الشريد وهو الشخص الذي لا يكون له محل اقامة معروف ولا وسائل معيشة ويركن الى الخمول والكسل ويعيش على الصدقات والتسول، والتشرد قانونا : حالة القُصر الذين يبلغون سن (الثامنة عشر سنة او اقل) ويهجرون منازل ذويهم (أهلهم أو الأوصياء عنهم) من غير أن تكون لهم وجهة او حرفة فيعتاشون من الفجور والاعمال المحظورة، ويكونوا لقمة سائغة وصيدا سهلا للمنحرفين والمجرمين . وبالنتيجة فان هؤلاء المتشردين ضحايا فشل الادارة الاسرية اولاً ثم محلاً للأفعال والسلوكيات المنحرفة والمجرمة ثانياً وبعدها وبالاً على المجتمع حيث سيبثوا ما استطاعوا سمومهم و معاناتهم وكراهيتهم وانكساراتهم وكوامن النقص التي تعتريهم صوب المجتمع لذلك كان المشرع العراقي فطناً ومستوعباً لهذه الرؤية حين تناول ظاهرة التشرد في قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 وتحديدا في المادة (24/ اولا وثانيا ) ومنحها كصفة للحدث في ست حالات وهي كالاتي : أولا – يعتبر الصغير أو الحدث مشردا اذا :
أ – وجد متسولا في الاماكن العامة أو تصنع الاصابة بجروح أو عاهات أو استعمل الغش كوسيلة لكسب عطف الجمهور بهدف التسول.
ب – مارس متجولا صبغ الاحذية او بيع السكاير أو أية مهنة أخرى تعرضه للجنوح، وكان عمره أقل من خمس عشرة سنة .
جـ – لم يكن له محل اقامة معين أو اتخذ الاماكن العامة مأوى له.
د – لم تكن له وسيلة مشروعة للتعيش وليس له ولي أو مرب.
هـ – ترك منزل وليه أو المكان الذي وضع فيه بدون عذر مشروع.
ثانيا – يعتبر الصغير مشردا اذا مارس أية مهنة أو عمل مع غير ذويه.
ان ثنائية الضحية تأتي كمحصلة واضحة للحدث المتشرد فعملية الهروب _ ان صحت التسمية_ من البيئة الاولى الاسرة بكل ما تتمتع به من صفات على الاقل في الحماية والامان ان عجزت عن تقديم ما يحتاجه من متطلبات العيش الاخرى كالمأكل والملبس الى بيئة غير آمنة ومليئة بالانحراف والسلوك المجرم وتحقق كبير للخطورة الاجرامية وهي الشارع والأماكن المحظورة سيجعله الاقرب الى السقوط في فخ الجنوح والجنوح فعل غير مشروع توفرت فيه نية الاجرام وجاء نتيجة لسوء تكيف الحدث _ الحدث: (الصغير منذ ولادته حتى يتم نضجه اجتماعيا او نفسيا وتتكامل لديه عناصر الادراك والاختيار بحيث يستطيع معرفة طبيعة عمله ووصفه والقدرة على التكيف مع متطلبات الواقع الاجتماعي) _ مع البيئة والنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه، وجنوح الحدث يعني قيام الاطفال او المراهقين الذين تتراوح اعمارهم من (9-18) سنة بسلوك مجرم قانونا وضار بالمجتمع، ان حالات التشرد التي اوردها القانون هي معالجة لحالة الحدث قبل الوقوع في الجنوح وقيامه بارتكاب فعل انحراف السلوك والانغماس بعد ذلك بالانحراف والجريمة، وهي مرحلة تلي مرحلة الاكتشاف المبكر التي اشار اليها المشرع ووضع اليات الاكتشاف والمعالجة والتشرد ليست جريمة وانما هي حالة تستدعي تنبيه المسؤولية على رعاية الصغير او الحدث على الاهتمام به وتسليمه اليهم من قبل الجهات المختصة بعد ضبطه في حالة تشرد بمقابل تعهد بعدم عودة الحدث للتشرد هي وضع ولي الامر والوصي امام مسؤوليته القانونية بعد ان وهنت مسؤوليته الاخلاقية والتربوية .ان ثنائية الضحية تبرز على الحدث وتتماها مع حالة الجنوح وعليه فان المعالجات الاجتماعية مهمة جدا مع وجود مؤسسات راعية للإحداث وجهات تنفيذية متخصصه قادرة على انتشال الحدث / الضحية قبل ان يصبح الحدث/ الجانح وكل ذلك في فضاءات قانونية جديدة تتسع لحالة التغيير والتطور الاجتماعي والتقني بمختلف نواحي الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية.
أقرأ ايضاً
- هل يجب على "مراجع الدين" متابعة الأحداث السياسية ؟
- معاهدة ثنائية بين طهران وواشنطن إنقاذاً للإتفاق النووي
- ثنائية عقيمة