بقلم: شيرزاد شيخاني - كاتب وصحفي كردي
تقترب تجربة إقليم كردستان العراق من الانهيار الشامل مع استمرار الضربات التي تأتي من جهات متعددة، على رأسها المحكمة الاتحادية العراقية التي تحاول بالفعل إضعاف سلطة الإقليم عبر قرارات موجعة تستهدف تجريدها من كافة صلاحياتها المالية والاقتصادية والإدارية.
تضاف إليها قرارات أخرى دولية أهمها قرار محكمة باريس التي أوقفت تصدير النفط الكردي عبر ميناء جيهان التركي، وآخرها الدعوى المقامة حالياً أمام محكمة فدرالية أميركية ضد قيادات بارزة في الحزب الديمقراطي الكردستاني من قبل من يصفون أنفسهم بضحايا جرائم البارزانيين.
وكل هذه الضربات تحت الحزام والتي تتوالى على رأس النظام الحاكم بكردستان سببها الأخطاء الفظيعة والمتراكمة عبر ثلاثين سنة من حكم البارزانيين لإقليم كردستان، الذين انحرفوا عن الأهداف الرئيسية للثورة الكردية منذ تأسيس أول حكومة وبرلمان في تاريخ الشعب الكردي.
ذلك النهج الخاطىء في إدارة شؤون الإقليم الذي كان يقترب من شكل دولة مستقلة داخل العراق لكنها سلكت طريقاً أقرب إلى الدكتاتورية المتسلطة على رقاب الشعب لا تختلف كثيراً عن أنظمة الحكم السابقة في العراق.
وأهم الأخطاء التي ارتكبتها السلطة الحاكمة في كردستان هو استفتاء الانفصال الذي جرى في أيلول (سبتمبر) عام 2017، والذي أوصل العداء إلى ذروته بين أربيل وبغداد، والذي انتهى بسلخ 50 بالمئة من الأراضي الكردستانية وإعادتها إلى سلطة المركز، منها محافظة كركوك الغنية بالنفط.
وسبقها إعلان الاستقلال الاقتصادي الفاشل وتصدير النفط الكردي بمعزل عن الحكومة الاتحادية، ناهيك عن عقد اتفاقات اقتصادية مجحفة مع تركيا دون رضا الحكومة الاتحادية، علاوة على السماح للقوات التركية بإنشاء عشرات القواعد العسكرية داخل أراضي إقليم كردستان في انتهاك صارخ لسيادة الدولة العراقية.
أمَّا على مستوى الوضع الداخلي، فقد واصلت السلطة البارزانية نفس أساليب القمع والاضطهاد الدكتاتوري ضد أبناء الشعب الكردي من حيث كبت الحريات الفردية والإعلامية ومنع التظاهرات والاحتجاجات الشعبية وقتل الصحفيين وتعذيب السجناء والاغتيالات والخطف وهذه جرائم وثقتها جماعة (ضحايا كردستان) وقدمتها بوثائق وأدلة أمام المحكمة الفدرالية الأميركية.
وحاولت السلطة البارزانية أن تفرض مفهوم الحزب القائد على شعب كردستان العراق وتعاملت بعداوة شرسة مع جميع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، وتحكمت بالبرلمان ورئاسة الحكومة لأكثر من ثلاثة عقود دون أي اعتبار لمبدأ التعددية والديمقراطية.
ونتيجة لهذا النهج السلطوي الغاشم، تداعت أسس الحكم الرشيد في الإقليم، وتوالت الأزمات الخانقة بسبب الفساد المستشري بمرافق الدولة، فأخفقت حكومة الإقليم في معالجة الكثير من الأزمات المعيشية، مثل توفير مياه الشرب والطاقة الكهربائية، وانعدام مشاريع البنية التحتية ومعالجة البطالة، وعدم قدرتها على استيعاب المتخرجين من الجامعات والمعاهد، ومن أهم تلك الأزمات إغراق الإقليم بديون كبيرة بسبب السياسة الاقتصادية الخاطئة والفاشلة التي انتهجتها حكومات الإقليم المتتابعة.
فقد بلغت الديون الخارجية المترتبة على حكومة الإقليم 32 مليار دولار. أمَّا الديون الداخلية المترتبة عن قطع رواتب الموظفين والمتقاعدين، فتبلغ 25 مليار دولار. فمنذ الأزمة المالية التي بدأت عام 2015 نتيجة قطع ميزانية الإقليم من بغداد، وبسبب الأداء الفاشل لإدارة اقتصاد الإقليم، لم يستلم الموظف الكردي 45 راتباً من رواتبه الشهرية، وتم استقطاع الربع من رواتبه لـ55 شهراً أيضاً بذريعة الادخار القسري.
وحدث هذا في وقت كانت حكومة إقليم كردستان تصدر يومياً نصف مليون برميل من النفط تضاف إلى 300 مليار دينار من الإيرادات المحلية، ولكن كل هذه الأموال الطائلة لم تستطع أن تعالج المشكلة المالية بسبب وقوعها بيد الفاسدين من السلطة.
لقد حاولت المحكمة الاتحادية العراقية منذ أكثر من سنة تصحيح تلك الأخطاء من خلال قرارات تفرض سيطرة الدولة على مقدرات الإقليم المالية، سواء من خلال إجبار حكومة الإقليم على تسليم الملف النفطي لوزارة النفط العراقية، أو إخراج رواتب الموظفين من يد حكومة الإقليم تحت غطاء "توطين" الرواتب.
وبطبيعة الحال، هناك قرارات أخرى سوف تتوالى لسحب بقية الصلاحيات الماليَّة والإدارية والعلاقات الخارجية من يد حكومة الإقليم، منها إعادة سيطرة الدولة على المنافذ الجمركية وربط مطارات الإقليم بسلطة الطيران العراقية ودمج قوات البيشمركة بوزارة الدفاع وإلغاء دائرة العلاقات الدبلوماسية للإقليم.
لقد أدى الحكم الدكتاتوري لحزب البارزاني والأداء الفاشل لحكوماته المتعاقبة إلى قبول المواطن الكردي وترحيبه بكل قرارات المحكمة الاتحادية، فهذا المواطن أصبح كمن يستجير بالرمضاء من النار، كل همّه اليوم هو الخروج من هذه الأزمات المستفحلة التي تعجز حكومة الإقليم عن معالجتها فلا يجد أمامه سوى اللجوء إلى الحكومة الاتحادية لإنقاذه من شرور هذه الحكومة الفاشلة.
لقد حاولنا نحن المثقفون والكتاب الكرد المخلصين أن ننبه السلطة الحاكمة بكردستان بالأخطاء والسياسات الفاشلة التي تنتهجها، صرخنا بملء أفواهنا حتى بحت أصواتنا، لكن السلطة المغرورة التي كانت تعيش في العلياء لم تستمع إلينا، بل أنها وصمتنا بالخيانة العظمى، وبأننا جحوش لسلطة بغداد، ولجأت إلى أقلام مأجورة تبيع شرفها لمن يدفع أكثر لتجميل صورتها البشعة، كحال كل الأنظمة الدكتاتورية!.
وكانت نتيجة عدم الاحتكام إلى صوت العقل والمنطق هو ما نراه اليوم غير آسفين من مصير هذه الحكومة التي بات الكل يمقتها ويتمنى الخلاص منها.
إنَّ هذه المحاكمات المحلية والخارجية سوف تقصم ظهر السلطة الغاشمة في إقليم كردستان وسيتنفس الشعب الكردي الصعداء عند طي هذه الصفحة السوداء من تاريخه وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أقرأ ايضاً
- نصيحتي الى الحكومة العراقية ومجلس النواب بشأن أنبوب النفط الى العقبة ثم مصر
- لماذا تصمت الحكومة أمام عقود أندية دوري "لاليغا" ؟
- ما هكذا تُورَدُ الإبلُ يا حكومة السوداني