في موقف مشرف تميزت احدى العشائر الجنوبية العريقة في محافظة واسط حين اتخذت قرارا اخلاقيا وعشائريا مميزا في جلسة فصل عشائري، اثر حادث دهس راح ضحيته طفل صغير لهم دون قصد او تعمد من جارهم السائق الذي يعمل في سيارة لا يملكها، فقررت عشيرة الطفل العفو عن مرتكب الحادث واشترطت العشيرة ان يتحول مبلغ الدية العشائرية البالغ (18) مليون دينار من اهل الطفل الميت الى الشاب مرتكب الحادث ليشتري له سيارة تكون ملكا له ليعمل بها ويعيش مع عائلته بسلام، لانه جار حسن السمعة والسلوك وله مواقف طيبة.
قدر وضرر
لم يكن ماجد الزبيدي الشاب الفقير الذي يعمل سائق في سيارة اجرة تملكها احدى العائلات يعلم بما يخبأه له القدر، فهو يكاد ان يكون رزقه كفاف ويسد المعيشة، لكنه يمتلك الاخلاق والمواقف الطيبة وحسن العشرة والسيرة مع اهله وعشيرته وجيرانه، "ماجد الزبيدي" يسكن في احدى مناطق محافظة واسط، وكعادته كل يوم اراد بعد التوكل على الله ان يذهب الى عمله كسائق سيارة اجرة (تكسي)، ولكنه عندما اخرج سيارته من البيت راجعا الى الخلف، لم يرى (ايهم) ذلك الطفل الغض الجميل ابن جيرانهم الذي صار تحت سيارته فدهسه دون علم منه او قصد او تعمد، ولانه طفل صغير لم يتحمل وزن وثقل السيارة وعجلاتها فمات على الفور، فنزل "ماجد الزبيدي" مذهولا بعد سماعه للصراخ والعويل، (سحكت ايهم، مات ايهم)، كانت تلك الجملتين كافية لاصابة ماجد بانهيار تام، فلا يعرف ماذا يفعل والبكاء والعويل اصبح سيد الموقف منه ومن النساء والرجال المتواجدين سواء اهل الطفل او الجيران لان الجميع يعيش في تلك المنطقة بمحبة واحترام، لكنه قدر ومن المؤكد انه يسبب الضرر".
موقف مشرف
في كثير من جلسات الفصل العشائري نرى الغضب او التأزم او الشد العصبي هو سيد الموقف، ونسمع ارقاما للديات تكاد تكون فلكية حتى تجاوزت تلك الارقام المليارات من الدنانير، لكن في تلك الجلسة التي جللتها رحمة الرحمن وبركات محمـد وآل محمـد، كان المتحدثون على مستوى عالي من مخافة الله والعمل بشريعته، والايثار والتضحية والعفو والسماحة، حيث كان بداية الحديث لاحد الشيوخ ويدعى "ابو امير" الذي افتتح الكلام بجملة (اللي يبديهه بطيب ينهيهه بطيب)، وفعلا هكذا بدأت الجلسة العشائرية وهكذا انتهت، وقال ان جبل من المال لا يعوض الابن المفقود لكن لا احد يستطيع رد القضاء والقدر، ثم يعلن عن اقرار الدية الشرعية البالغة (18) مليون دينار ليسلمها الى اولياء دم الطفل ومنهم جد الطفل وهو من وجهاء وشيوخ عشيرة العبودة الجنوبية الاصيلة الذي ابدى اعتذاره ودموعه تجري للسائق "ماجد" مرتكب الحادث لما سببه له الحادث من الم كونه جار واخ ويحب هذا الطفل الضحية، وانه سبق ان تنازل عن اجور نقل لنبل اخلاقه والان عادت اليه ما زرعه من حسنات، اما والد الطفل فوقف امام جميع الحاضرين ليعلن ان عائلة الطفل وهم اولياء الدم تعفو عن "ماجد" مرتكب الحادث، وتقرر ان تهدي مبلغ الدية العشائرية عن حادث قتل ابنهم بطريقة الخطأ، الى مرتكب الحادث جارهم السائق الفقير "ماجد" بشرط ان لا تأخذ عشيرة "ماجد" أي دينار منه ويشتري به سيارة لتكون ملكا له ويعمل عليها ليستطيع ان ينفق على عائلته بدل ان يعمل لدى الناس، والاجمل منها ان والد الطفل (ايهم) يطلب حضور مرتكب الحادث "ماجد" ويعانقه ويبكيان معا، وهي صورة من النادر ان تجدها في مثل تلك الحوادث والجلسات".
سنة حسنة
هذه الواقعة التي حصلت في محافظة واسط وكان التراحم والعفو والسماحة والايثار عناوين بارزة لها، جعلت الحاضرين يصيحون (من سن سنة حسنة) ويقصدون بها ان هذه المبادرة عسى ان تكون مفتاحا لحل الكثير من المشاكل والنزاعات العشائرية التي باتت الارواح تزهق بها بسهولة، وتمنى الجميع ان تحذوا الناس حذوها في جلسات الفصول العشارية التي وصلت الى مستويات مخيفة، ناهيك عن ارتكاب جريمة الدكة العشائرية على بيوت فيها عائلات آمنة بمختلف الاسلحة، بل وصل الحال الى سقوط الضحايا بين ميت ومصاب في نزاعات عشائرية دامية، وآخرها سقوط ضابط برتبة عميد يشغل منصبا رفيعا في جهاز الاستخبارات بوزارة الداخلية نتيجة اقتتال عشيرتين في محافظة ذي قار منذ سنوات".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- بينهم عروس تستعد ليوم زفافها :قصف وحشي في بعلبك يخلف (19) شهيدا منهم (14) طفلا وأمرأة
- حل "ترقيعي".. خطة الداخلية لشراء الأسلحة تُنعش "سوق مريدي" ولن تجمع 2٪