- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإمام الحسن (عليه السلام).. غيث السماء
بقلم/ نجلاء عبد علي عمران
النصف من شهر رمضان المبارك بشرت السماء رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بولادة الحسن المجتبى(عليه السلام). وكانت ولادته بمنزلة غيث السماء إلى النفوس الظمآى والقلوب المتعبة من شدّة القسوة والغلظة، لترويها حبّاً وحلماً ووداعة، علّها تجد سبيلاً للرقي والتكامل الإنساني. بعض الصفات الأخلاقية تحتاج الى رعاية من الأبوين لتنمو في نفس الطفل منذ نعومة أظفاره، فهي ليست كلمات تُسمع وتقرأ، ثم تهفو النفوس اليها، وتشتاق لأن تتحلى بالحلم، أو التواضع، أو العطاء، أو حُسن الكلام واحترام الآخرين، وغيرها كثير. فالإمام الحسن المجتبى(عليه السلام)، ذلك الفتى اليافع والوديع، يدخل مسجد جدّه المصطفى وقد فقده منذ أيام، فهو يستذكر كل تلك الحنايا والعواطف أيام طفولته في هذا المسجد، ثم يرى فجأة شخصاً يدّعي خلافة جدّه بخلاف الوصية لأبيه أمير المؤمنين، وهو على المنبر يخطب في الناس، فيشقّ طريقه بين الناس حتى يصل الى المنبر ويصيح بذلك الرجل بشدّة أن "أنزل عن منبر أبي"، ويذكر الرواة كيف أن الصمت المطبق خيّم على الحاضرين، ولم يجرؤ أحد على التفوه بكلمة، فقام أحد أصحاب النبي واعتنق الحسن لتهدئة روعه وملاطفته لتسوية الأمر وإخراج الرجل من الإحراج الرهيب.
هذا هو الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) في حزمه وهو طفل بعد لم يتجاوز الثامنة من عمره، وهو في مرحلة الرجولة يظهر بأساً شديداً في حرب الجمل عندما عجز محمد بن الحنفية، مع شجاعته المشهورة، وكونه ذراع أمير المؤمنين الضاربة، من أن يصل الى صاحب راية "الجيش الناكث" وقتله وإسقاط الراية التي تعني آنذاك بانهيار الجيش، وكان أمير المؤمنين كارهاً لبروز الحسن في ساحة المعركة خشية استشهاده وانقطاع النسل من آل الرسول، فأصرّ الحسن على النزول لأداء هذه المهمة، وبعد أن تردد بعض الوقت قال له: سر على اسم الله، فاقتحم الإمام خضم الجيش، فتقاطرت عليه النبال، وأمير المؤمنين ينظر إليه عن كثب، ولم يزل الحسن يغيب في لجج الرجال ويطفو عليها حيناً آخر، حتى بلغ مركز الراية فأسقطها، وهزم الجيش وتمّ النصر على يده.
إن الحلم الحسني يستهدف القلوب والنفوس لإحيائها بالإيمان والتقوى والعمل الصالح، وليست باباً –كما يتصور البعض- للمهادنة والمصانعة مع أصحاب المصالح السياسية والاقتصادية، فهو يعطي إعطاء الكريم لا إعطاء الذليل، كما قالها أخوه الإمام الحسين، عليه السلام، يوم عاشوراء لقادة الجيش الأموي: "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد". ونرى أن الإمام الحسن(عليه السلام)، وهو ابن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام)، الخليفة الشرعي والقانوني المنتخب، ثم تم انتخابه بإجماع الأمة بعد استشهاد أبيه، فضلاً عن مكانته من النبي (صلى الله عليه واله) وما قاله بحقه، مع كل هذا يتنازل عن حقه في الحكم الى شخص مثل معاوية، والسبب من داخل معسكره ومن افراد أمته المتخاذلة، وهو ما يزيده ألماً بعد كل ما بذله من حِلم ورفق بخلاف ما اتبعه معاوية مع أهل الشام من تضليل وتشويه للحقائق وصناعة جيش أشبه ما يكون بأحجار الشطرنج يحركها كيف يشاء.
إن الحلم الحسني هو الذي كشف زيف الإسلام الأموي بعد فترة وجيزة من استشهاده، عليه السلام، ووضع حداً فاصلاً بين منهج أهل البيت، عليهم السلام، القائم على الفضيلة والحق والأخلاق الحميدة، وبين المنهج الأموي القائم على التضليل وسفك الدماء وشراء الذمم، ولعل عبارة "قلوبهم معك" تكون من ثمار الحلم الحسني مهداة الى أخيه الإمام الحسين(عليه السلام) الذي كان على موعد مع معركة فاصلة بين الحق والباطل.