بقلم:حيدر عاشور
ان لكل نابغة من نوابغ الدهر، ولكل عظيم من عظماء العلم والحكمة أثر ومآثر ودروس عملية وتلامذة ومريدون، فلا ريب أن آل محمد (عليهم السلام) أجمعين أعظم النوابغ وسادات العظماء فان آثارهم المنتشرة في العالم البشري هي اصدق شاهد على ذلك، واخبارهم بمكتشفات، وحوادث اليوم أكبر برهان على اتصال علومهم بمنبع الوحي والالهام. ومن يريد ان ينهل من علومهم، ومن يريد التثبت على منهجهم فعليه بنهج البلاغة وكتب الحديث، والاثار المروية في كتب الفريقين العامة والخاصة. وبما نحن بصدد ذكرى الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، الامام العظيم، ورئيس ومؤسس المذهب، ونسب اليه(المذهب الجعفري) هو سادس الأئمة الاثني عشر الذين نص عليهم الرسول الاعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) خلفاء من بعده وجعلهم قادة ورؤساء وقمم للمسلمين، ينهجوا مناهجهم، ان ارادوا السعادة والخير في الدنيا، والنعيم في جنات الله بالآخرة. وهذا الفهم هو الرابط الذي يربط المسلم في كل ملكوت الله في الارض. فهم يعرفون قبل كل شيء، ان كل صغيرة وكبيرة من أعمالهم تحت المساجلة والمراقبة والبحث.. وحين نبحث عن الصادق القول والمسار الانساني الذي سار عليه كآبائه الطاهرين وابنائه الاكرمين ممن نهج للحياة السعيدة، التي اذا سار في ذلك المنهج العالم البشري لنعموا بخير الدنيا والاخرة. ومنهج الصادق يمتاز بميزة لا توجد في دين من الاديان الاخرى او مبدئ لقانون بشري أو منهاج لطائفة أو مذهب اطلاقا هي ميزة ربط الحياة الدنيا بالحياة الاخرى، ربطا لا انفصام له، بحيث لا يصلح احدهما الا بالآخر. ولا يقبل منها شيء الا بكمال سائر الاشياء والاجزاء. وكان هذا المعنى هو مفهوم الصادق ابان وجوده بين الطغم الطاغية، الغاصبة للخلافة الشرعية. لذا استمر الزحف الصادقي من أجل الاسلام المقدس منذ تفجير جده الاعظم وابائه طاقاتهم الى ان اوقف الزحف الغرب الاثيم، وسلالة النواصب بكل دسائسهم ومكائدهم فجُمد الاسلام في ادمغة حملته الا من القليل منهم. فكان ما كان عليه الاسلام في كل مكان. لذا كان للصادق اصحاب وتلاميذ قد اخذوا العلوم من بحار علومه الزاخرة. واغترفوا الحكمة من عيون حكمته الصافية الفاخرة واتخذوا المعارف من منابع معارفه النقية. فنشروا في العالم اثاره القيمة الباقية، وبثوا فيه ذخائره العلمية والحكيمة. وضحوا في سبيل ذلك النفوس والنفائس وفدوا كل غال ورخيص. وقد كان الصادق في الفترة بين حكومة بني امية وصراعهم مع بني العباس، فاغتم الصادق الفرصة ونشر العلوم والاحكام، والمعارف الحقة وبث الحكمة والعرفان، في ابواب مختلفة من التفسير والكلام والفقه والاصول والحديث وغيرها، ولأجله اتخذ الموالين من المسلمين الامام العظيم رئيساً للمذهب، وتجمع حوله الالف من التلاميذ كلهم امتلأوا علما وفقها وحديثا وذلك من بركات كلام الامام الصادق (عليه السلام). لذا رب الصادق اصحابا صادقين، عالمين، متقين، ورعين، مطيعين لله ولرسوله، وموالين لهُ، مبغضين لا عدائه، ومن اولئك الكرام البررة الكثير منهم( بكير، وحمران، وزارة، وعبد الرحمن، وعبد الملك، وآل أعين)، واسماء لا يسعها الا بحث مطول. ولكن أقدم الاوائل (حمران بن أعين) اذ أدرك الامام علي بن الحسين والامام الباقر عليهما السلام ومن ثم تبع الامام الصادق (عليه السلام) وكان بمنزلة القوّام ومن المحمودين، وعالما بالنحو واللغة. وقد ذكره الامام في حديث أنه قال في (حمران):" أنه رجل من أهل الجنة".. وفي قولٍ أخر "حمران بن أعين مؤمن لا يرتد والله أبداً". ومن وحي هذه القول يذكرنا الصادق بما علينا من ثبات وواجبات تعد ثقيلة بصفتنا مسلمين نؤمن بالله واليوم الاخر. وأنا على كل مسلم ان يجدد عهده بدينه وعقيدته وايمانه ومنهجه. فان ذكريات الائمة عليهم السلام تجدد في النفوس المعاني المرتبطة بتلك المذكرات.. والا كانت الذكرى لغوا، ونصبا، بلا فائدة.
أقرأ ايضاً
- النفط.. مخالب في نوفمبر وعيون على الرئيس القادم لأمريكا
- فلسفة الموت عند الإمام الحسين (عليه السلام)
- حادثة "كروكوس سيتي" أليست رسالة دولية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"