منذ عقدين مضت وبعد الاطاحة بالنظام المباد واحتلال العراق اصبحت حدود العراق منفلتة وتدفقت كميات كبيرة من المواد المخدرة بانواع عدة، ومنذ تلك اللحظة تصدت المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف الى اصدار مجموعة استفتاءات لم تترك اي شاردة او واردة في موضوعة المخدرات الا ووضعت نقاطها على حروفها، فحرمت تجارتها ووصفت اموالها بالسحت الحرام وحرمت تعاطيها وقدمت نصائح اخرى في هذا الملف، وبين الفينة والاخرى تظهر اصوات نشاز ممن ركبوا موجة الاعلام في زمننا الحالي واصبحوا يديرون برامجا تصنع رأيا عاما وان كان غير ذات جدوى او يرمي التهم والاباطيل دون اثباتها بوثائق او مستندات او صور او غيرها، وهكذا اتهمت المؤسسة الدينية عموما في العراق ومرجعية النجف الاشرف خصوصا باعتبارها تمثل الثقل السكاني الاكبر في العراق، بأنها لم تتصدى لمواجهة ملف المخدرات الذي بات ينخر بالبلد، ولكننا سنثبت بالدليل ان المرجعية الدينية العليا وعلى رأسها سماحة المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني تصدت منذ اول ايام الانفلات الامني لهذا الملف وبالدليل، كما ان مؤسساتها نظمت مختلف الفعاليات بهذا الشأن.
موقف المرجعية الدينية
قبل عشرون عاما وتحديدا في الثاني عشر من شهر رجب من العام الهجري (1424) اي في العام (2003) ميلادي اصدر مكتب المرجع الديني الاعلى السيد علي السيستاني مجموعة استفتاءات ترد على أسئلة موجهة تخص المخدرات وضعف السيطرة على الحدود وتهريبها الى العراق وما حكم تهريبها سواء الى داخل العراق او لغرض نقلها الى بلد آخر وكان الجواب (يحرم تهريبها على كل حال) وهو نسف وتحريم لكل تجارة المخدرات، والحقها بالجواب على حكم من يعين على تهريبها بـ(حرام)، ولم يكتفي بذلك بل اجاب عن جواز التعامل مع من يهرب المخدرات ويعرض بضائع اخرى غيرها للبيع بالرد (ينبغي مقاطعته، بل يلزم ذلك اذا توقف عليها النهي عن المنكر مع توفر شروط وجوبه)، وعن التطوع في سلك الجهاز الامني المكلف بمكافحة المخدرات اجاب (يجوز ذلك بل كفاية)، كما لم يجوز تعاطيها وحكم على الاموال التي تجنى من تجارتها بالحرمة بجوابه (هذه الاموال سحت ولا يجوز التصرف فيها بل يجب ارجاعها الى اصحابها ان عرفهم وإلا تصدق بها على المستحقين من الفقراء)، واوجب كذلك اخبار السلطات عن الذين يساهمون في عمليات تهريب المخدرات".
فعاليات ومؤتمرات
المؤسسات التابعة للمرجعية الدينية وابرزها العتبات المقدسة لم تقف مكتوفة الايدي بل نظمت الكثير من الفعاليات والمؤتمرات التي تنبه وتحذر من مخاطر المخدرات وتأثيرها على شريحة الشباب ومحاولة جرهم الى مستنقع الادمان، فقد حذر ممثل المرجعية الدينية العليا خلال خطبة صلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف، من خطورة تنامي ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في صلاة الجمعة التي اقيمت في الخامس من تموز عام 2019 "ما يثير القلق هو تنامي وانتشار هذه الظاهرة بشكل سريع بين اوساط الشباب والشابات، لان هذه الشريحة من الشرائح الاجتماعية التي تم التنبيه الى اهميتها في خطب سابقة والتي يقع على عاتقها بناء مستقبل واعد للبلد لانها الاكثر عنفوانا وفعالية، وان انتشار هذه الظاهرة والترويج لها بين الاوساط الشبابية يؤدي الى استنزاف هذه الطاقات الفكرية والعقلية والنفسية والجسدية والصحية التي ينتظرها المجتمع".
واضاف ان "المخدرات باتت تنتشر مؤخرا بطرق ماكرة وخادعة وجاذبة للشباب والشابات لايقاعهم في فخ التعاطي لها، ومن الوسائل التي يتم من خلالها اقناعهم على تعاطي المخدرات هو استغلال ما يعانوه من ضغوط نفسية او اضطراب وقلق نفسي ومشاكل واحباط نتيجة الفشل فيكون خداعهم عبر اقناعهم باستعمال الحبوب المخدرة في انها تؤدي الى التهدئة وتعالج حالات الاضطراب والقلق النفسي"، موضحا ان "استخدام العنوان الواضح بتعاطي المخدرات يعد امر غير مقبول اجتماعيا وسيواجه بالرفض لكن هذه الطريقة ستؤدي شيئا فشيئا الى تعاطي مواد اكثر ضررا، ولابد من تنبه الجهات المعنية والمجتمعية لخطورة هذه الظاهرة ووضع العلاجات الناجحة والسريعة للحد من تناميها وسرعة انتشارها، ولابد وجود رادع قانوني وعقابي صارم يكفي في الحد من سرعة انتشار هذه الظاهرة"، مبينا ان "عدد من المسؤولين يشير الى وجود ضعف في مرحلة تطبيق بعض الاحكام القانونية وعدم الكفاية في ردع المجرمين، الى جانب وجود عقوبات بمستوى خفيف وضعيف لا تؤثر في ردع من يتاجر بهذه المواد"، لافتا الى ان "بعض من يتاجر بهذه المواد لديه علاقات مع متنفذين في الدولة يساعدوه بالإفلات من العقاب"، مختتما بالقول "يجب تسليط الضوء على خطورة تنامي ظاهرة انتشار بعض مراكز الفساد خصوصا في العاصمة بغداد"، مشيرا الى ان "بعض المراكز تؤطر نشاطها وتغلفه بعناوين مقبولة اجتماعيا كالعناوين الصحية والتنموية والترفيهية الا انها في حقيقتها تستبطن الافساد للمجتمع"، داعيا مؤسسات الدولة المعنية "للتنبه الى هذه الظاهرة ووضع بعض هذه المراكز تحت المراقبة وتتحقق من طبيعة نشاطها، لان بعض هذه المراكز تشكل خطرا على الامن الاخلاقي للمجتمع".
كما رعت العتبة الحسينية في الثامن والعشرين من آذار من العام 2017 ورشة عمل لتوعية من مخاطر المخدرات والمنشطات بالتعاون مع المديرية العامة للتربية الرياضية، وفي السادس من حزيران من العام الماضي طالب الامين العام للعتبة الحسينية المقدسة الاستاذ حسن رشيد العبايجي بضرورة الحد من الظواهر الخطرة التي باتت تتوسع بشكل ملف للنظر "كالمخدرات والعنف الاسري والابتزاز الالكتروني".
الارهاب الصامت
المخدرات وكما يبين مدير قسم الاعلام والعلاقات في مديرية مكافحة المخدرات العقيد بلال صبحي في حديث لوكالة نون الخبرية "هي الارهاب وتجارة الموت والجريمة الصامتة التي اخذت بالانتشار وسط مجتمعنا وخصوصا في اوساط الشباب دون ان تلفت اليها الانظار، والمخدرات هي جريمة منظمة دولية عابرة للحدود".
ويشرح صبحي اثر مادة الكريستال على المتعاطين بقوله ان "اكثر مادة يتعاطاها الشباب في العراق هي الكريستال حيث ثبت لدينا ان (80) بالمئة من المواد المضبوطة هي مادة الكريستال وهي مرغوبة في اوساط الشباب وتعد مادة منشطة وتؤثر على جميع اجزاء الجسم وتسبب حالة من الهلوسة الممزوجه بالنشوة وخطورة هذه المادة انها تنتشر بشكل سريع لان الادمان عليها يكون من تعاطيها مرة واحدة او مرتين وتقوم عصابات المخدرات باستدراج وترغيب الاحداث والشباب عبر تناولها ليتحول الى مدمن وتستهدف دائما المناطق الفقيرة والشباب العاطلين او محدودي الدخل لان تلك المادة تباع بالمليغرام مثل الذهب، وسعر السيجارة التي لا يصل وزنها الى غرام واحد وتستخدم مرة واحدة وصل الى (25 ــ 90) الف دينار وكيلوغرام الكريستال المخدرة يتعاطاه من (2000 ـ 3000) متعاطي، وكيلو الكريستال بعد تقطيعه الى غرامات وبيعه يصل سعره الى (80 ــ 100) مليون دينار وهي تجارة تدر مليارات الدنانير على تلك العصابات الاجرامية، وبعد تحويل المتعاطي الى مدمن يتحول بعدها الى مروج او ناقل للمخدرات مقابل إعطائه كمية للتعاطي فقط".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- المرجعية الدينية العليا والعتبة الحسينية تقدّمان تجربةً رائدةً في مجال إسكان الفقراء مجاناً
- بعد الحملات المتواصلة لمكافحتها.. ما مصير المخدرات في العراق؟
- قصة "حسوني" طفل انقذته يد المرجعية الدينية الرحيمة من الضياع(فيديو)