يصنف العراق خلال السنوات الأخيرة كمستهلك لتجارة المخدرات بعدما كان ممرا نشطا لها، لكن ما تعلنه الجهات الرسمية المعنية بهذا الملف من عمليات ضبط كبيرة يؤشر وجود استفحال للإدمان ونشاطا متزايدا لدخول الشحنات بشكل ملفت.
وفي أيار الماضي، كان قد أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن حكومته ستتعامل مع قضايا المخدرات على أنها “تهديد إرهابي”، مؤكدا أنها “وضعت إستراتيجية وطنية مكثفة لمكافحة المخدرات للسنوات 2023-2025 ضمن خطة موسعة نحو عراق خال من المخدرات”.
ويقول المتحدث باسم وزارة الداخلية وخلية الإعلام الأمني، العميد مقداد الموسوي، إن “الجهود المتواصلة لمديرية مكافحة المخدرات وبقية الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية، أسفرت ولأول مرة في العراق عن إصدار 140 حكم إعدام و500 حكم بالسجن المؤبد على تجار مخدرات للفترة من 1/1/2023 ولغاية 6/8/2024”.
ويضيف أن “عمل وزارة الداخلية مستمر لملاحقة عمليات التهريب للمخدرات وهي تتناسق مع مؤتمر بغداد الدولي الذي عقد قبل عدة أيام والذي اشتركت به تسع دول بضمنها العراق”.
وعن إمكانية انتهاء ملف التهريب عبر الأراضي العراقية، يؤكد الموسوي، أن “المؤتمر خرج باتفاق بين البلدان المجاورة للتعاون حول تبادل المعلومات من أجل ضبط الملف إقليميا لكونه الأهم الآن على الساحة، كما أن ملف المخدرات تم قطع شوط كبير به ويتم في كل وقت إعلان ما ينجز من عمليات إحباط وضبط”.
وبشأن إحصائيات الشبكات الدولية والكميات المضبوطة، يكشف المتحدث باسم الوزارة، عن “تفكيك 20 شبكة دولية و204 محليات خلال عام ونصف العام، وتم ضبط كميات بلغت أكثر من 1.5 طن خلال النصف الأول من العام الحالي، بينما بلغت المؤثرات العقلية المضبوطة خلال العامين الماضيين خمسة أطنان”.
ويلفت إلى أن “القوات الأمنية ومن خلال عمليات الملاحقة قد اشتبكت مع تجار مخدرات في أكثر من مكان وقتلت 17 مدانا منهم خلال العام الماضي، أما في العام الحالي فبلغ عدد المقتولين أربعة تجار فقط نتيجة الاشتباكات”.
ويتابع “الإجراءات الأخرى التي تم اتخاذها لمكافحة انتشار المخدرات هو ملف تأسيس المصحات العلاجية للمدمنين وهي بعدد 15 مصحة متكاملة وتستقبل النزلاء بشكل طبيعي بالتعاون بين وزارتي الصحة والداخلية”.
ووفقا للإحصائيات الدولية، يشير تقرير لمنظمة الأمم المتحدة، إلى أن السلطات العراقية صادرت عام 2023 رقما قياسيا بلغ 24 مليون قرص كبتاغون تقدر قيمتها بين 84 مليون دولار و144 مليونا، مضيفا أن مضبوطات هذه المادة زادت بنحو ثلاثة أضعاف بين سنتي 2022 و2023.
وتعد المخدرات من أبرز التحديات التي تواجه المجتمع العراقي، لاسيما أن تجارتها توسعت بشكل خطير في الفترة الأخيرة، فيما توجد تحركات نيابية لتعديل قانون المخدرات، حيث سيتضمن القانون الجديد إجراءات مهمة على مستويات مختلفة تسعى لتشديد العقوبات على المتاجرين، وتعزيز البرامج العلاجية للمدمنين، إضافة لتحويله صفة المتعاطي من “مجرم” إلى “مريض” لأول مرة في تاريخ العراق.
من جهته، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي، فاضل أبو رغيف، أن “مديرية مكافحة المخدرات قطعت شوطا كبيرا ومفصليا ونوعيا خلال الفترة الماضية خاصة منذ العام الماضي ولغاية الآن بملاحقة التجار والمتعاطين وضبط كميات كبيرة، كما كسبت ثقة دول المنطقة المحيطة بالعراق وفيها تغذية عكسية لتجارة المخدرات وتجعل العراق مصدرا لوصول الشحنات اليها بنفس الوقت”.
ويلفت إلى أن “العراق قطف ثمارا كبيرة بتفكيك أكثر من 600 شبكة تجارة بين دولية ومحلية وصدور أحكام إعدام كثيرة وضبط كميات ضخمة من الكريستال والكوكائين والميرغوانا والحشيشة والكبتاغون وغيرها، فضلا عن اعتقال أكثر من 22 ألف متهم بين مروج ومتعاطٍ وتاجر، إضافة لاستحداث أكثر من 15 مصحة علاجية للمتعاطين”.
ويعتبر أن “الخطوة الأهم تمثلت باستضافة مؤتمر بغداد لمكافحة المخدرات بمشاركة دول مؤثرة في المنطقة، ولا يمكن إخفاء أهمية خطوات مجلس النواب المتأخرة وبنفس الوقت جيدة بشأن تعديل قانون مكافحة المخدرات عبر تشديد العقوبات لتكون رادعة للمتاجرين والمروجين ومنع جعل العراق ساحة لهذه التجارة الرائجة”.
ويردف أبو رغيف “العراق أضحى مستهلكا ومتاجرا للمخدرات بعد العام 2003 حيث بات الفساد والإرهاب والمخدرات ثلاثة وجوه لعملة واحدة، ما يستوجب جهدا دوليا وسياسيا ودينيا لمكافحة آفة المخدرات”.
وينبه إلى أن “المخدرات تطورت بشكل كبير بتجارتها لدرجة إنشاء معامل في دول مجاورة مثل سوريا ولبنان تصدر إلى العراق ليتم إحباطها بجهود القوات الأمنية”.
ويشدد على أن “مافيات وتجار المخدرات الرئيسيين يقطنون في لبنان بشكل أساسي، أما المخدرات المغشوشة فهي تصنع في سوريا وليس داخل العراق”.
يذكر أنه في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأمريكي عام 2003، صار العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع بعد تهريبها عبر الحدود من إيران وسوريا، وكان القانون العراقي قبل العام 2003 يعاقب مروجي المخدرات بالإعدام شنقا، لكن بعد هذا التاريخ، ألغيت عقوبة الإعدام، وفُرضت عقوبات تصل إلى السجن 20 عاما.
بدوره يشخص رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، أن “هناك جملة من الأسباب التي تقف خلف رواج تجارة المخدرات في البلاد، أبرزها ضعف التوعية والرادع الديني وما يتعلق بالظروف الاقتصادية والبطالة، والاستهداف الممنهج من عصابات الجريمة المنظمة تجاه الشباب، والاستخدام السيئ للإنترنت”.
ويشير إلى أن “السبب الآخر يتمثل بالعنف الأسري والتراكمات الحاصلة نتيجة الحروب، والسلوك الجمعي، ومظاهر تقليد أصدقاء السوء والتأثر المباشر بالإعلام ومواقع التواصل والسلوكيات غير النمطية، جميعها قد تؤدي إلى زيادة تعاطي المخدرات، لذلك العراق تحول إلى طريق سهل للمخدرات والمتاجرة بها لموقعه الجغرافي والممرات الهشة التي تستخدمها العصابات لإدخال الشحنات”.
ويدعو الغراوي، البرلمان والحكومة إلى “العمل على تعديلات جوهرية للقوانين المتعلقة بالمخدرات، وإيجاد معالجات واقعية والتعامل مع المتعاطين على أنهم مرضى وضحايا وليسوا مجرمين وتحويلهم إلى مؤسسات تأهيلية قادرة على معالجتهم”.
ويختم بالقول إن “خطوة إنشاء المصحات لمعالجة المدمنين ممتازة وهي في بغداد وبابل والأنبار وذي قار والبصرة وهناك تطور في هذا الملف يجب دعمه”.
ويتضمن قانون المخدرات رقم 50 لسنة 2017 عقوبات تصل إلى الإعدام، حيث تنص المادة 27 على عقوبات قاسية منها “يعاقب بالإعدام أو المؤبد كل من يتورط بزراعة المخدرات والصناعة والاستيراد والتصدير”، أما فيما يخص تجارة المخدرات محلياً ما بين النقل والترويج فتنطبق عليها أحكام المواد 28 من القانون والتي تتضمن “عقوبات السجن المؤبد أو المؤقت”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)