بقلم: عبدالمنعم الأعسم
البعض من الغيارى على دولة المحاصصة يذهبون الى ان الوقت مبكرٌ لمعاينة (وتقييم) اهلية الطبقة السياسية النافذة وزعاماتها لدور خطير يتمثل في كفالة انقاذ البلاد، واستعادة قوتها وهيبتها وأمنها، وستكون هذه المعاينة واردة (حسب هذا البعض) بعد ان تستتب الامور ويندحر الارهاب وتبدأ مرحلة اعادة البناء، فيما يتفلسف ملاسنو هذا البعض بالقول ان قارب البلاد محمّلٌ بالاثقال، ولا يصحّ الضغط عليه، خشية أنْ يغرق بمن عليه، ولات ساعة مندم.
اما البعض الآخر (وكاتب السطور منهم) فانهم يرون بان اصحاب القارب الذي يحمل مصائر البلاد استنفذوا كل قدرتهم على التدبير، وقدموا ما بوسعهم، ولم تعد لديهم كفاءة الاضطلاع بادارة المرحلة اللاحقة بعد ان اخفقوا في النهوض الجماعي بفروض ادارة الدفاع عن الامن والسيادة، عدا عن ذنوب ومخالفات ومفاسد ارتكبوها (بمناسيب مختلفة) وحولت العراق الى جمهورية موز تتحد فيها عقيدة المحاصصة الحاكمة بمافيات ضاربة وفساد لا حدود لانتشاره.
وبين الفريقين، المراهنون على اصحاب القارب والكافرون بالساعة التي جاءت بهم، الكثير من القراءات والاراء، البينية، غير انه حتى ذلك اليوم الذي تتوحد فيه العقول الحية عند ارادة التغيير، ويتأكد لدى الجميع استحالة استمرار الاحوال على نسق «اهل القارب» الآيل للغرق، فان بين ايدينا (أولا) اشارات لوم مهمة اطلقتها المرجعية الدينية في النجف حيال ما اسمته باحزاب السلطة او رؤوس الفساد وبقيت صحيحة بعد مرور عامين على اطلاقها (وثانيا) حالات وفيرة عن تعنت جماعة سلطة القرار وعدم استعدادها للتنازل، او التنازل المتقابل، او التخلي عن المحاصصات الفئوية الضيقة كفاتحة لعبور الازمات السياسية، او الافادة من دروس العقدين الماضيين لسلطتهم و (ثالثا) ثمة معطيات ووثائق مرعبة عن ثروة وطنية وعائدات مالية هائلة أهدرت وسُرقت أو جرى التصرف بها أو تهريبها.
وبدلا من مراجعة ما حدث من اهوال فقد انتشرت (في الاونة الاخيرة) ورش صناعة الاوهام حول «مستقبل وضاء» قادم في الطريق، وفي التفاصيل ثمة رسائل هزيلة تسوّق، عبر وسائل مختلفة، سعياً الى اقناعنا بان اصحاب القارب تعلموا من دروس تجربة حكم ما بعد الاحتلال وسقوط الدكتاتورية، وهذا فصل من الصناعة المصممة للاوهام، والحال، فان الصناعة هي صناعة، كما يقول تشارلس كامان صانع طائرات الهليوكوبتر الشهير، اما الاوهام فهي تتحول اذا ما انتشرت الى كارثة، والادق الى مرض لم يكتشف العلم علاجا له حتى الآن، سوى وجوب ارسال المرضى الى مصحات، اما الإحساس بوجود مرض دون التوجع منه فهي اشارة إلى علة في القوى الإدراكية لدى مروجي هذا السيناريو.
الكاتب الامريكي «ستيفن كرين» اشتهر بروايته القصيرة «القارب المكسور» التي تتمحور حول «محاولات النجاة» من الغرق بقارب مهشم وعاجزٍ عن تلبية هذا الرجاء من دون ان يستعين البطل بوسائل من جنس آخر غير التمنيات والاوهام، ولم تكن الرواية من نسج الخيال المجرد، بل هي تجربة مرّ بها الكاتب قبل اكثر من مائة عام في طريقه الى كوبا يوم كان مراسلا صحفيا.
اقول، التشبث بالحياة نزعة غريزية مشروعة، خلاف التشبث بالوهم تماماً.
استدراك:
«أشعر بأننا نملك الكثير من الأوهام والأحلام في وطن يحرمنا من حق الوجود».
واسيني الاعرج- كاتب جزائري
أقرأ ايضاً
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- فازت إسرائيل بقتل حسن نصر الله وأنتصرت الطائفية عند العرب
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي