- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المنطق القانوني والقضائي للأحكام القضائية
بقلم: القاضي عبد الستار ناهي عبد عون
مما يشترط لإصدار الأحكام القضائية لتكون موافقة للقانون أن تكون مسببة تسبيباً كافياً, والى جانب التسبيب الكافي يشترط ان تتسم الاسباب بالمنطقية، بمعنى ان تعبر الاسباب عن مضمون الاقتناع الموضوعي للقاضي وعن المنهج الذي انتهى به الى الحكم الذي أصدره.
والسؤال الذي يطرح كيف يتم إجراء التسبيب المنطقي؟
إن مسألة وضع تعريف للمنطق القانوني على نحو مانع ليس بالأمر الهين والعلة في ذلك تعود الى تغيير مدلول علم المنطق وتطوره من المنطق الصوري الذي يعتمد على الدليل الواضح الى المنطق غير الصوري الذي يعتمد على الحجج والاستدلالات التي تؤيد وجهة نظر او تدحض وجهة نظر، فالمنطق وفقاً –للمنطقيين- هو بشكل عام علم يضع القواعد العامة للتفكير السليم بغض النظر عن الموضوعات التي يتناولها التفكير، او هو قواعد تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر وبما ان القاضي لا يمكنه ان يصل الى النتيجة التي يقصدها في حكمه الا من خلال القيام بعمليات ذهنية متتالية, وهذه العمليات لابد ان تحكمها قواعد المنطق حتى تأتي اسباب الحكم ناتجة عن ترجمة للنشاط الذهني للقاضي لكي تولد القناعة للخصوم والمحاكم العليا التي لها صفة الرقابة على الاحكام الصادرة.
لذا لا يمكن القول ان المنطق القانوني هو الوسيلة التي يطبق من خلالها المنهج القانوني على حالات معينة او هو الأسلوب الفكري الذي يمكن بموجبه معالجة مسألة ما للوصول الى حلها القانوني, وعليه فالمنطق القانوني بمعنى اخر هو تطبيق قواعد علم المنطق واسسه على المسائل القانونية فهو اسلوب التفكير الذي بموجبه يعطى الحل القانوني لحالات واقعية مطروحة, والحصول على نتائج مترتبة ترتيبا منطقيا حتميا مبنيا على مقدمات باساليب معينة, اما المقصود بالمنهج القانوني فهو مجموعة الوسائل التي يتوصل القاضي من خلالها للاجابة الصحيحة للمشكلة المعروضة عليه مثل تفسير الواقعة المطروحة والاستعانة بمصادر قانونية بغية الوصول الى حل منطقي, ومن هذا يتبين ان هناك ارتباطا وثيقا بين المنطق القانوني والمنهج القانوني كون المنطق القانوني هو اداة المنهج القانوني, والجدير بالاشارة اليه ان الغاية في الاتجاه بمنطقية عمل القاضي هو اضفاء القوة والسهولة على هـــــذا العمل في الوقت ذاته, وان الاستعانة بالمنطق في حقل القانون امر من الضرورة بمكان كون القانون علما من العلوم و يستوجب النظر اليه بصفته بناء فكريا وليس عرضا للأفكار, وكما تمت الإشارة الى أن المنطق القانوني هو الوسيلة التي من خلالها يطبق المنهج القانوني وهو أسلوب فكري يمكن بموجبه التصدي لمسألة ما للوصول إلى الحل القانوني لها.
فالقاضي من خلال إتباعه للمنطق القانوني يمكنه الوصول للتفسير والحل, فهو خلاصة قياس منطقي مقدمته الكبرى القانون ومقدمته الصغرى هي الوقائع, وحتى يتوصل القاضي الى الامر المقضي فعليه ان يبحث في مقدمته القانونية والواقعية ويكوّن رأيا في كل منها, فهو يستخلص رأيا في القانون حول مسألة وجود قاعدة قانونية أم عدم وجودها ترتب الأثر للمدعي بالنسبة للوقائع المدعاة, زيادة على أن يستخلص رأيا في الوقائع حول ثبوت الواقعة او الوقائع الاساسية المعروضة او عدم ثبوت الواقعة او الوقائع الاساسية.
اما المنطق القضائي فهو طريقة تفكير القاضي التي يتبعها عندما يفصل في الدعوى المنظورة من قبله.
إذن المنطق القضائي مسار ذهني يسلكه القاضي عند التصدي للفصل في الخصومة المعروضة عليه وبذلك فهو يختلف عن المنطق القانوني كون الاخير ذا صلة بنشوء القاعدة القانونية وتفسيرها نظريا, في حين المنطق القضائي ذو صلة بتفسير القاعدة القانونية وتطبيقها عمليا على القضية المنظورة من القضاء, يترتب على ذلك أن المنطق القانوني ذو طبيعة نظرية أما المنطق القضائي فهو ذو طبيعة عملية, إضافة لذلك فالمنطق القانوني يتصل بالقانون في حين أن المنطق القضائي له صلة بالواقع والقانون معا.
ويرتكز المنطق القضائي على فحص الوقائع من قبل المحكمة واختيار مايناسب النزاع المعروض وماهو ضروري لاصدار الحكم وتكييف الوقائع ثم تطبيق القانون عليها, وهذا ما يظهر بوضوح مدى ارتباط المنطق القضائي بالوقائع والقانون.
والقاضي ينصبّ عمله على مدى استطاعة الخصوم اثبات واقعة الدعوى على وفق قواعد قانون الإثبات وهو يحدد القاعدة القانونية واجبة التطبيق على الخصومة المعروضة امامه ومن ذلك يستنبط الحل المنطقي للدعوى, لان قناعة المحكمة يجب ان تكون وليدة المنطق وان تُضمّن حكمها لما يشير الى توافر هذا المنطق لان القاضي يجب ان تكون قناعته بعملية عقلية منطقية أساسها الاستقراء والاستنباط مستندا في تحصيل ذلك على نصوص القانون واجب التطبيق.
وفي ضوء ما ذكر يلحظ أن هناك تضافرا بين المنطق القانوني والقضائي ولا يوجد فاصل حقيقي بينهما بل العكس فان بينهما روابط وتأثيرات متبادلة, فالمنطق القضائي يشكل حالة خاصة من حالات تطبيق المنطق القانوني, والمنطق القضائي وبالنسبة لاتجاهاته ومذاهبه جميعها يرتبط بموضوع المرافعات وأشكال الإجراءات اضافة الى وجود ممارسات - بهذا الصدد- مثل طبيعة المهمة المناطة بالقاضي وآلية تنظيم العملية القضائية والاعتبارات ذات الصلة مادية منها وأخرى نفسية وباتحاد المنطق القانوني والقضائي يتم اصدار الحكم القضائي المبني على المنطق.
أقرأ ايضاً
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي
- جدلية الاختصاص في ابرام الاتفاقيات القضائية
- الجواز القانوني للتدريس الخصوصي