- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
جودة الاحكام الخلط بين مفهوم الأغلبية المطلقة والأغلبية البسيطة في دستور 2005 -الرأي الثاني-
مقتبس من كتاب ( جودة احكام المحكمة الاتحادية العليا في العراق ) للاستاذ الدكتور عدنان عاجل عبيد/ استاذ القانون الدستوري
اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها التفسيري ذي العدد 23/اتحادية/ 2007 في 21/10/2007 والذي قضت بمقتضاه بان " ان المقصود ب (الأغلبية المطلقة) الوارد في المادتين ( 61 /ثامنا/أ) و ( 76 / رابعا) من الدستور هي اغلبية عدد الأعضاء الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة ( 59 /اولا) منه " . وقد جاء قرار المحكمة هذا بعد أن طلب مجلس النواب بكتابه ذي العدد ( 1/3/226 ) في 3/10/2007 تفسير تعبير "الأغلبية المطلقة الوارد في المادتين( 76/ رابعا ) و (61/ثامنا) من دستور 2005 مستفسرا عما اذا كانت الأغلبية المطلقة تعني اغلبية عدد أعضاء المجلس او اغلبية عدد الحاضرين بعد تحقق نصاب الانعقاد المنصوص عليه في المادة ( 59 /اولا) من الدستور ".
وقد عللت المحكمة حكمها بأن الدستور قد وضع الاغلبيات اللازمة لإصدار قرارات مجلس النواب حسب اهمية الموضوع اذ يتطلب التصويت عليه سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء الأغلبية المطلقة لعدد اعضاء مجلس النواب ، اما حالة سحب الثقة من احد الوزراء فلم تتطلب المادة ( 61 /ثامنا/أ) الا الحصول على ( الاغلبية المطلقة ) وهي غير (الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه ) الوارد ذكرها عند سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء لان النص قد ذكرها مجردة من (عدد الأعضاء) وهي تعني اغلبية عدد الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة (59/اولا ) ولو أراد المشرع الدستوري الأغلبية المطلقة لعدد أعضاءه لأوردها صراحة كما فعل في المواد ( 55 ) و ( 59 /اولا) و ( 61 /سادسا/أ ) و (61/ سادسا/ب) و (61|ثامنا/ب/۳) و (64 /اولا) من الدستور .
ويبدو أن المحكمة قد بنت اجتهادها على معيار مصطلح (عدد أعضائه) فاذا اقترن مصطلح الأغلبية المطلقة بـ ( عدد اعضائه) فهذا يعني اغلبية العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب ، اما اذا ورد مصطلح الأغلبية المطلقة دون عبارة (عدد اعضائه) فانه ينصرف إلى اغلبية العدد الفعلي اي عدد الحاضرين في الجلسة .
وسندلو بدلونا في التعليق على موقف المحكمة المتقدم من خلال عرض خطأ شائع في أوساط الفقه والتشريع حول مفهوم الاغلبيتين المطلقة والبسيطة ، وجدوى المعيار التي تبنته المحكمة في تفسير الأغلبية المطلقة .
اولا: الخطأ الشائع حول مفهوم الأغلبيتين المطلقة والبسيطة :
قبل الخوض في تقييم رأي المحكمة هذا وتقويمه ، نرى من المناسب التعريج على خطأ شائع شاع في أوساط الفقه والتشريع، فقد عرف البعض الأغلبية المطلقة بأنها تتحقق عند وصول الأصوات إلى (50% +1) من عدد اعضاء المجلس ، اذ يفترض الكاتب بان عدد ( 138) هو الأغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس البالغ (275).
كما ذهب المشرع في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل الى ان الاغلبية المطلقة يتحقق بنصف +1 من عدد الأعضاء و الاغلبية البسيطة تتحقق بنصف +1 من عدد الاعضاء الحاضرين بعد اكتمال النصاب.
أن ما ذهب اليه كل من الفقه والتشريع في حساب الأغلبية المطلقة ينتابه الخطأ وعدم الدقة واليكم التصويب .
الأغلبية المطلقة : هي اكثر من نصف العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب ( ومجلس المحافظة).
الأغلبية البسيطة : هي اكثر من نصف العدد الفعلي لأعضاء مجلس النواب ومجلس المحافظة. فلو فرض أن عدد اعضاء مجلس النواب بلغ ( 329) فان الأغلبية المطلقة هي ( 165 ) وهي ليس نصف العدد + واحد وانما اكثر من نصف العدد ولو سلمنا جدلا بأنه نصف العدد زائدا واحد فانه يستقيم مع عدد اعضاء المجلس لو كان عدداً زوجيا كأن يكون ( 328) اذ تكون الأغلبية المطلقة ( 165 ) ايضا لكن الاقلية ستكون ( 163 ) في حين الأصح تكون ( 164 ) مقابل ( 165 ) وهذا لا يعني نصف العدد زائدا واحد وانما اكثر من نصفه حسب ، لذا كان الاجدر بالكاتب تعريف الاغلبية المطلقة بانها اكثر من نصف العدد الكلي ليستقيم مثاله على عوده وتكون الأغلبية المطلقة لعدد ( 275 ) هي( 138) مقابل الاقلية وهي ( 137)، كما كان الأجدر بالمشرع في قانون المحافظات رقم 21 لسنة 2008 المعدل تعريف الأغلبية المطلقة بأنها أكثر من نصف العدد الكلي والأغلبية البسيطة هي اكثر من نصف العدد الفعلي دون اضافة تعبير ( نصف العدد + واحد ) لأنه لا يستقيم مع العدد الفردي لأعضاء مجالس المحافظات ، فلو افترضنا أن مجلس احدى المحافظات يتألف من ( 27) عضو فان الاغلبية المطلقة تكون (14) والأغلبية البسيطة تكون (8 ) وهكذا .
الخلاصة ان تعريف الأغلبية المطلقة بانها نصف العدد الكلي + واحد لا يستقيم مع عدد المجلس اذا كان عدده فردياً .
ثانيا : عدم دقة معيار ( عدد الأعضاء ):
عودة على بدء ان ما اجتهدت اليه المحكمة الاتحادية العليا في تعريف الأغلبية المطلقة رأي فند لا يستند الى سند واليكم التبرير.
لقد وضعت المحكمة معيار عبارة ( عدد أعضائه ) من عندياتها وهجرت قاعدة التفسير التكاملي للدستور الذي يستند إلى قاعدة أن النصوص الدستورية تفسر بعضها البعض ، اذ عرف الدستور ومیز بوضوح بين الأغلبية المطلقة والأغلبية البسيطة في المادة ( 59 ) بفقرتيها واضعا قاعدة واضحة للتمييز بينها وضوح الشمس في رابعة النهار. اذ جاء في المادة المذكور بان (اولا: يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه. ثانيا: تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب . ب - مالم ينص على خلاف ذلك ) .
والمعنى المنتزع من النص أن الأغلبية المطلقة اللازمة لانعقاد جلسات مجلس النواب هي اكثر من نصف العدد الكلي بدلالة الفقرة ثانيا الذي اشارت إلى أن القرارات تتخذ بالأغلبية البسيطة اي اكثر من نصف عدد الحاضرين (العدد الفعلي) بعد تحقق النصاب اي الأغلبية المطلقة .
مما يعني أن المشرع الدستوري قصد بمصطلح الأغلبية المطلقة اكثر من نصف العدد الكلي اينما أورده في المواد (55) و (59 /اولا) و (61/سادسا)(أ) و (61/ثامنا/أ) وليس كما اشارت المحكمة انها من دون عبارة ( عدد أعضائه ) لأن هذه الأغلبية البسيطة بعينها وهذا ما لم يقصده المشرع ولم تصبهُ المحكمة لذا لا يصمد معيار المحكمة أمام النصوص الصريحة ، وعليه نهيب بمحكمتنا الموقرة أن تراعي نصوص الدستور في التفسير ولا تعول على الفاظ مجردة يتطلبها سياق العبارات كمعايير تذروها رياح النقد فلا اجتهاد في مورد النص.
نص قرار المحكمة ذي العدد 23/اتحادية / 2007 في 21/10/2007
" تشكلت المحكمة الاتحادية العليا بتاریخ 10/ شوال / 1428هـ الموافق 21/10/2007 برئاسة القاضي السيد مدحت المحمود وعضوية كل من السادة القضاة فاروق محمد السامي وجعفر ناصر حسين واكرم طه محمد واكرم احمد بابان و محمد صائب النقشبندي وعبود صالح التميمي وميخائيل شمشون قس کوركيس وحسين ابو التمن المأذونين بالقضاء بأسم الشعب .
الطلب:
طلب مجلس النواب بكتابه المرقم ( 1/3/226) في 3/10/2007 تفسير تعبير (الأغلبية المطلقة) الواردة في المادتين س (76/ رابعا) و (61/ثامنا) في الدستور وفيما اذا كانت تعني اغلبية عدد اعضاء المجلس او اغلبية عدد الاعضاء الحاضرين عند تحقق نصاب الانعقاد المنصوص عليه في المادة ( 5 /اولا) منه .
وضع الطلب اعلاه موضع التدقيق والمداولة وتوصلت المحكمة الاتحادية العليا الى التفسير الاتي : عرف دستور جمهورية العراق الصادر عام 2005 تعابيرمتعددة للأغلبية المطلوبة من اصوات اعضاء مجلس النواب عند أداء مهامه وذلك تبعا لدرجة أهمية الموضوع المطروح للتصويت في المجلس فقد تطلب في المادة ( 61 /ثامنا/ب/ 3 ) منه الحصول على اصوات (الاغلبية المطلقة ) لعدد اعضاء مجلس النواب عند سحب الثقة من رئيس الوزراء ، أما في حالة سحب الثقة من أحد الوزراء فلم تتطلب المادة ( 61 /ثامنا/أ) منه الا الحصول على (الأغلبية المطلقة) وهي غير ( الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه ) الوارد ذكرها عند سحب الثقة من رئيس الوزراء، لان النص قد ذكرها مجردة من (عدد الأعضاء) وهي تعني اغلبية عدد الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة ( 59 /اولا) من الدستور ولو اراد واضع الدستور الأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء لأوردها صراحة كما فعل في المواد (55) و(59/اولا) و (61/سادسا/أ) و(61/سادسا/ب ) و(61/ثامنا/ب/3) و (64/اولا) من الدستور .
مما تقدم خلصت المحكمة الاتحادية العليا الى الرأي الاتي:
أن المقصود بـ (الأغلبية المطلقة) الواردة في المادتين(61/ثامنا/أ ) و (76/رابعا) من الدستور هي اغلبية عدد الأعضاء الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني المنصوص عليه في المادة (59/اولا) منه."
أقرأ ايضاً
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- أثر الزمان في تغير الاحكام القضائية
- سلطة المشرع في إصدار النص القانوني المقضي بعدم دستوريته مجدداً