يتفق الجميع على ان محافظة كربلاء المقدسة تختلف عن باقي المحافظات من حيث استقبالها الهائل للزائرين على مدار السنة، اضافة الى الهجرة الكبيرة من باقي المدن العراقية لها، منذ ثمانينات القرن الماضي ولغاية اللحظة، ولأسباب عدة لعلّ ابرزها ان هذه المدينة المقدسة في توسع مستمر وتتوفر فيها فرص العمل بشكل كبير اذا ما قورنت بغيرها، والاهم في ذلك انها تعتبرُ ملاذا امانا لجميع العراقيين، وأنها اصبحت نظيرةً للمدن المقدسة في العالم كمنطقة السيدة زينب (عليها السلام) على بعد سبعة كيلومترات شرق دمشق في سوريا ومزار الإمام علي الرضا (عليه السلام) في مدينة مشهد المقدسة بإيران، فالسائح عادةً ما يكون بحاجة الى جانب السياحة الدينية الى مناطق ترفيهية، فلا ضير ان تكون مدينة كربلاء المقدسة بهذا المستوى، وخاصة وان جميع المرافق السياحية في كربلاء المقدسة ملتزمة بأخلاق وقدسية هذه المدينة، لذا حرصت العتبة الحسينية المقدسة على توفير مدن لاستراحة الزائرين بمساحات خضراء، متوفر فيها العاب للصغار واماكن ترفيهية صار الكربلائيون والزائرون يتوجهون اليها لقضاء اوقات تشعرهم بالراحة النفسية، اضافة الى الشوارع التي بادرت العتبة المقدسة بتعبيدها حيث كانت تحرص على ان تكون مزودة بالأشجار والعلامات المرورية التي تحفظ سلامة المواطن.
ومحافظة كربلاء قد تتصدر باقي المحافظات العراقية في رعاية المساحات الخضراء خصوصا في اخر سنتين فقد اتسعت الحدائق العامة وحظيت باهتمام الدوائر المعنية بإدامتها، وكذلك المتنزهات ورغم قلتها فهي قد فتحت المجال أمام روادها بالأقبال عليها بشكل مستمر... ومن الحدائق العامة الى المتنزهات ثم مدن الالعاب حرصت وكالة نون بمتابعة شؤون إداراتها والوقوف أمام المشاكل التي تحدُّ من اتساعها وتعرقل احيانا مهمتها، وكذلك الاسباب من عدم اهتمام المستثمرين ببعض الضوابط المشروطة ضمن قدسية المحافظة..
انشاء ما يقارب 100 حديقة تصل مساحات بعضها الى دونمين
وكانت البداية مع المهندس (محمد حمزة حسين) معاون مدير بلدية كربلاء لشؤون الخدمات، حيث قال: "ان مديرية بلدية كربلاء المقدسة موزعة على عدة اقسام وكل قسم يقوم حسب المهام التي تقع على عاتقه، وفيما يخص مهام شعبة الحدائق والمتنزهات فهمي تشمل تأهيل وانشاء الجزرات الوسطية وادامتها وانشاء الحدائق في المحافظة، وخلال السنوات الماضية تم انشاء ما يقارب (100) حديقة بمساحات تصل الى دونم ودونمين والبعض منها اكثر بالإضافة الى الجزرات الوسطية، البعض من هذه الحدائق كانت تنقصها الالعاب، وفي الاشهر الاخيرة بدانا بتنصيب بعض الالعاب في بعض الحدائق".
غياب ثقافة الاستفادة من الاماكن العامة لدى بعض المواطنين
واضاف: "على الرغم من العمل الكبير الذي تقدمه مديرية البلدية وتحديدا شعبة الحدائق والمتنزهات عبر تشييد الاراضي التابعة لها وتحويلها الى اماكن خضراء لغرض الترفيه للمواطنين الا ان البعض من هذه العوائل والشباب للأسف يستغل هذا الاماكن (الحدائق) بطريقة سلبية، فهناك الكثير من العوائل والشباب يسيئون التعامل لهذه الحدائق بترك نفايات الاطعمة وفحم الاركيلة، رغم وجود اماكن مخصص لها، كذلك كان اصحاب المواكب الحسينية يستغلون هذه الاماكن العامة بشكل غير صحيح عبر ذبح المواشي او نصب المواكب على حساب قلع او كسر الاشجار خلال الزيارات المليونية وبالتالي تسبب هذه الاثار الكثير من المشاكل والمعوقات".
متنزه الامام الحسين (عليه السلام) الكبير محطة العائلة الكربلائية
وتابع حسين: "بذلت مديرية بلدية كربلاء المقدسة جهد كبيرا في متنزه الامام الحسين (عليه السلام) الكبير الواقع في حي الاصلاح كونه يمثل موقعا استراتيجيا مهما للمواطن الكربلائي والزائرين، حيث عملت المديرية على تأهيل هذا المتنزه والاعتناء بالحدائق والاماكن الترفيهية فيه بشكل كامل مع توفير كادر امني على مدار اليوم ومرآب لوقوف السيارات، ولكن لكونه ملكية هذه الارض التي تبلغ ما يقارب (38) دونما ترجع الى مديرية التربية في المحافظة ووجود بعض المشاكل بين المديريتين (مديرية التربية والبلدية) على احقية هذه الارض، كانت الصرفيات المالية لهذا المتنزه محدودة، وان كل الجهود التي بذلت في السنتين السابقة من تأهيل وتشييد وصيانة الالعاب وادامتها حفاظاً على سلامة العوائل والاطفال جاءت بعد استحصال الموافقات الرسمية من رئاسة الوزراء وليس من مديرية التربية التي كانت ولا زالت تطالب بالحصول على ارض المتنزه، على الرغم من ان مديرية التربية تمتلك ما يقارب (89) مدرسة شيدت على اراضي ملكيتها عائدة الى البلدية".
واوضح: "بسبب الظروف المالية التي يمرُّ بها بلدنا العزيز هناك كتاب من وزارة البلدية يبين امكانية استغلال الاراضي التابعة للبلدية للاستثمار، حيث يمكن للمستثمر التقديم على الاراضي المعروضة للمساطحة، ويتم تهيئتها كأن تكون حديقة او متنزه صغير".
المتنزهات ومدن الالعاب الاهلية متجاوزة وأُنشت دون التنسيق مع البلدية
واشار حسين الى ان بعض المتنزهات الاهلية في كربلاء انشأت دون التنسيق مع البلدية، والمديرية تعتبر هذه المتنزهات متجاوزة، والبعض منها انشأ خلاف الضوابط، كون هناك ضوابط قانونية لإنشاء هذه المدن لم تراعيها تلك المدن".
محطتنا الثانية كانت مع المهندس باسم عباس علي مدير التخطيط العمراني في مدينة كربلاء المقدسة والذي قال: "ان موضوع المتنزهات والحدائق حسب التصاميم الاساسية والقطاعية في المدينة يعتمد على اساس المساحات الخضراء، وهذه المساحات تصنف حسب الحجم فهناك مساحات على مستوى محلة وحي وقطاع، اضافة الى وجود متنزهات ضخمة على مستوى المدينة، وهذه المتنزهات تعتمد على طرق تمويلها فاذا كانت مديرية البلدية قادرة على تشييدها واستخدامها الى حدائق ومتنزهات فلا توجد مشكلة في ذلك، وهناك بعض المساحات الخضراء الضخمة لمديرية البلدية لا تملك التمويل الكافي لاستخدامها او تشغيلها، ولديها قرار بتحويل هذه الاراضي الى فرص استثمار او مساطحه، وهذا القرار يضمُّ حتى الاراضي التجارية التابعة للمديرية".
واضاف علي: "في الآونة الاخيرة كان هناك الكثير من المساحات الخضراء التي لم تكن لمديرية البلدية التمويل الكافي لاستخدامها، لذلك أُحالت قسم منها الى القطاع الخاص بهدف استثمارها وتشغيلها على ان تعود في النهاية الى المديرية، وامثلة كثيرة في هذا الخصوص لعل ابرزها متنزه حي الحسين العائلي الكائن في حي الحسين (عليه السلام) بكربلاء".
تحويل اراضي البستنة الى متنزهات ومدن العاب اجراء يخالف القانون
في سؤال (الاحرار) حول استخدام بعض اراضي البستنة من قبل المستثمرين وتحويلها الى متنزهات ومدن للألعاب؟ اجاب: "لا توجد اية مشكلة في استثمار الاراضي التجارية وتشييدها الى مدن العاب، ولكن استخدام اراضي البستنة وتحوليها الى متنزهات او مدن للألعاب يعتبر خلاف للقانون والضوابط ولا يوجد موافقات قانونية في هذا الموضوع، وان سبب مخالفة المستثمرين للضوابط والقوانين يرجع الى ضعف الاجراءات الحكومية اتجاه الموضوع، ورغم ان الاراضي هي ملك صرف للأهالي الا ان استثمارها في مشاريع غير تصميم وتخطيط البلد يعتبر مخالف للقانون".
وتابع: "هناك الكثير من المسببات وراء المشكلة التي تعاني منها الاراضي البستنة ولعل ابرزها عدم وجود قوانين رادعة تلزم اصحاب الاراضي بعدم التفتيت، اضافة الى عدم قدرة الدوائر الفرعية على تشييدها او ادامتها، ولعلّ مدينة كربلاء المقدسة من اكثر المحافظات العراقية تعرضا لهذه المشكلة كونها مرغوبة لدى الجميع.
لا زالت بعض الضوابط مبهمة لذا توجهت (الاحرار) لقائم مقامية مركز كربلاء للقاء بالدكتور (حسين جواد احمد المنكوشي) قائمقام المركز، فقال: "ان ما يشاهده المواطن الكربلائي والزائرين الوافدين الى مدينة كربلاء المقدسة من وجود متنزهات وحدائق عامة وزيادتها في الفترة الاخيرة جاءت نتيجة تظافر الجهود الاخوة في مديرية بلدية كربلاء المقدسة والوحدة الادارية اضافة الى الاخوة في المحافظة، من خلال التمويل المالي ورفع التجاوزات وتهيئة هذا المواقع وتشييدها بما ينسجم مع التصميم الاساس للمحافظة، وهذا نتيجة التأكيد على ضرورة الالتزام بالمخططات والتصاميم القطاعية من قبل مديرية البلدية واصحاب المهن التجارية والمستثمرين كون هذه التصاميم والمخططات تبين استعمالات الاراضي وطبيعة الشوارع الرئيسية والثانوية في المحافظة".
وتابع: "بسبب كثرة اقبال الزائرين على مدينة كربلاء المقدسة لغرض اداء الزيارة وكذلك الترفيه كان من واجبنا ان ندعم قطاع الاستثمار في المحافظة لإقامة متنزهات ومدن العاب ومجمعات، وتوفير الاجواء المناسبة للمواطن الكربلائي والزائر، مشيرا الى ان بعض المتنزهات ومدن الالعاب في المحافظة كانت تفتقد الى مرأب للسيارات مما تسبب بأزمة مرورية فيها، وقد خاطبنا هذه المتنزهات والمدن وكانت الاستجابة جيدة من قبل ادارات هذه المتنزهات والمدن ووفرت اماكن مناسبة للسيارات".
الموسوي: جميع المدن الاسلامية تتوفر فيها مرافئ ترفيهية ولا ضير ان تكون مدينة كربلاء بتلك المستوى
بعد لقاءتها مع الجهات المعنية توجهت (الاحرار) الى مدن الالعاب في المحافظة وكان لقاءها الاول مع هادي الموسوي مدير اعلام مدينة العاب سندباد والذي تحدث عن تجربة هذه المدينة وأهميتها اضافة الى ما تقدمه لزائريها فقال: "ان مدينة العاب السندباد افتتحت في نهاية شهر رمضان المبارك من عامنا الجاري، وهي احدى المدن الترفيهية التي تستقطب عشرات العوائل يوميا، بمساحة تبلغ ما يقارب (اربع) دونمات.
واشار الموسوي الى ان "مدينة السندباد تحظا بالتنسيق الكامل مع جميع الجهات الحكومية المسؤولة، وقد تكون المدينة الوحيدة التي وفرت مكتب خاص لمنتسبي الامن السياحي داخل المدينة، وهذا الكادر يمتلك اضبارة لجميع العاملين في المتنزه، وتواجدهم على اليوم في حال حدوث اي خرق امني او ما شابه لا سمح الله، كما يوجد تنسيق مع قيادة الشرطة كربلاء في ايام الاعياد والمناسبات من اجل السلامة الامنية للعوائل، وبخصوص الالعاب الموجودة في المدينة فقد وفرت الادارة كادر صيانة يعمل على متابعة الالعاب وصيانتها على مدار الساعة كون الخطأ فيها قد يؤدي بحياة شخص وبالتالي فالعمل في هذا الخصوص لا يسمح بالأخطاء حتى بنسبة 1%".
وتابع: "هناك تنسيق مع مؤسسة الشهداء لإقامة زيارات ترفيهية للأيتام وذويهم بالمجان، والمدينة مستعدة لاستقبال جميع المؤسسات الخيرية التي تتكفل برعاية عوائل الشهداء، كما يوجد تنسيق مع المنظمات الثقافية لإقامة ندوات وامسيات ثقافية داخل المدينة وبالمجان".
منوها الى ان "ادارة مدينة السندباد قد وفرت مرآب لوقوف السيارات بالتنسيق مع كلية الطف الجامعة لتسهيل عملية سير السيارات وتخفيف الزخم في الايام الاعتيادية والمناسبات".
وكانت المحطة الاخيرة مع الحاج علي زينو اليساري صاحب مشروع منتجع واحة الاريام الترفيهي وقد تحدث للمجلة عن مشروعه والتزامه بالضوابط التي تراعي قدسية المدينة فقال: "يقع المشروع على مساحة اكثر من (خمس) دونمات، وقد انشأ بهدف توفير مرافئ ترفيهي للعوائل الكربلائية والزائرين، والجميع يعلم ان مدينة كربلاء المقدسة تعتبر من ابرز المدن السياحية في العراق واكثرها استقبالا للزائرين على مدار السنة، وبالتأكيد تحتاج الى مرافئ ترفيهية تضاف الى المرافئ الاخرى الموجودة في المدينة، ولكن هذه المرافئ لابد لها من مراعاة قدسية المكان وحرمة هذه الارض المباركة".
مشيرا الى ان منتجع واحة الاريام ملتزم بجميع الضوابط التي وضعتها الحكومة العراقية، كون هذه الضوابط سُنت بالأساس لحماية المستهلك والمستثمر، وبالتالي علمنا على توفير جميع المستلزمات والضوابط المطلوبة بدأً من استحصال الموافقات الرسمية وانتهاءً بوجود مرآب لوقوف السيارات يساهم بتخفيف الزخم المروري في المنطقة كذلك توفير مستلزمات السلامة الوطنية للعوائل ايام المناسبات بالتنسيق مع الجهات المختصة".
وفي الاجابة على السؤال الذي طرحناه حول امكانية تفعيل الغاء تجريف وتفتيت اراضي البستنة كونها لا تصب في المصلحة العامة للبلد وانها مخصصة للزراعة؟ قال:" لا اعتقد ان منتجع واحة الاريام مشمول بموضوع تجريف وتفتيت البساتين كون المنتجع قد تماشى مع الطبيعة ووظف المساحة الخضراء لراحة زواره بل وعززه بمزروعات جديدة ومختلفة".
لا يخفى ان المواطن بحاجة الى ترفيه من اعباء الحياة ومشاقها لذا في زيارة المجلة لهذه المدن الترفيهية اجاب الكثير من ارباب الاسر بأهمية فتح المجال للتنافس في هذا المضمار بما يتيح الراحة للمواطن ويكون سببا في توفير ما يسره ويساعده على الترفيه محليا بدل السفر لخارج البلد.
تحقيق: حسين النعمة / حسنين الزكروطي
تصوير: خضير فضالة
أقرأ ايضاً
- نصف مليون متسول في العراق.. 90% منهم يحصلون على رواتب الرعاية
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها
- نينوى تخسر 40% من أراضيها الزراعية بسبب الاستثمار الجائر والتوسع العمراني