بقلم: حسين فرحان
قد نسمع أصواتا ترتفع متذمرة من كل شيء مثل (لا يهمني.. لايعنيني.. مالفائدة.. وإن يكن.. ألى حيث.. إلى الجحيم..) وكلمات أخرى كثيرة مترادفة متشابهة تشير الى اللامبالاة بنبرة مرتفعة.
وقد لا نسمع أي صوت لكننا نرى وبشكل واضح تلك المظاهر التي تفصح عن اللامبالاة بشكل عملي يتخذ من الخمول والكسل والخدر والعجز واليأس أدوات لهذه الممارسة القاتلة لأنسانية الفرد والملقية به في أودية المهالك وتدخله في أنفاق ومتاهات مظلمة تؤدي به الى موت بطيء.. علينا أن نتسائل أولا هل نحن في مأمن من هذا الوباء ؟ هل أننا مانزال بخير ولم نقع في شراك هذا الفخ ؟ هل اصبحنا يوما ونحن من صنف الذين لايبالون بأشياء معينة ؟ هل قضية لامبالاتنا - على فرض حدوثها - كانت مبررة ؟ هل هي نسبية أم مطلقة ؟ هل اتحدت بشخصيتنا أم مرت مرور الكرام ؟.
كل واحد منا سيجيب عن هذه التساؤلات، وكل واحد منا سيقدر حالته فأهل مكة أدرى بشعابها.
وقد يعمد الأنسان الى استعراض البعض منها في وجدانه ويطبق بعضا من مصاديق ما يطرحه من حالة تعتريه وتعتري مجتمعه بشكل ملفت للنظر ليستشعر بذلك جزء منها فلا يكتفي بما جاء به أهل التخصص والتنظير الذين أخبرونا عن طريق بحوثهم وتجاربهم أن اللامبالاة:
- هي حالة ذهانية، وأسبابها هي: الوراثة، ضعف الغدد الصماء، الإجهاد (الصراع، فقدان العمل، التقاعد، الكوارث الطبيعية، وفاة شخص عزيز، وغيرها كالأدوية، والإكتئاب الخفيف).
فيما عرفها آخرون بحسب علم النفس بأنها:
- حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة وإن كان هذا في غير صالحه مع عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج"، وأن أسبابها تتعدد من عضوي إلى نفسي إلى اجتماعي اضف إلى ذلك مشاهد القتل والدمار والحروب، كل تلك الامور تجعل الشخص غير مكترث بما ستؤول اليه الامور كونه قد رأى من الاحداث ومن الصور ما يصعب على الذاكرة نسيانه.
هنا سنكتفي بهذين التعريفين وما تبعهما من أسباب لننظر الى واقعنا المليء بأناس لم يعودوا قادرين على المبالاة والاهتمام والاكتراث..ربما لو سألنا بعضهم عن دوافعه لهذا السلوك لأجاب: (مكره أخاك لابطل..)..
قبل أن نتحدث عن الآثار السيئة للامبالاة علينا أن لاننسى أن لهذه المعادلة أطراف متعددة تتمثل في صاحبها أولا وتنتهي بأطراف أخرى مثل الاسرة والمجتمع والوطن وغيرها.. فعلاقة اللامبالي مع هذه الاطراف ستكون سيئة للغاية ففي الجانب الأسري ستكون العواقب وخيمة خصوصا اذا حدث عدم الاكتراث بشكل مفاجيء، أما من ناحية المجتمع فأنه سيفقد عنصرا يفترض به أن يكون عاملا منتجا او فردا نافعا، وكمحصلة نهائية سيكون الوطن عرضة للخطر فيما لو اجتاح وباء اللامبالاة المجتمع بأسره ولنا في تجربة هذا الوطن مع الاحتلال الداعشي شواهد كثيرة قعد فيها المصابون بهذا الوباء عن الانتصار لمقدساتهم.
تنقسم اللامبالاة الى أقسام متعددة وتختلف أسبابها كذلك تختلف نتائجها وهي من الحالات المذمومة التي نهت عنها شريعتنا المقدسة وعبرت عنها بمصطلح (عدم الإهتمام) فاللامبالي هو الذي لايهتم لشيء حتى أنه قد تم إخراجه من الدين ونفيت عنه سمة الاسلام وصفته كما ورد في بعض الأحاديث ما يقرب من هذا المعنى:
1ـ قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) مَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.
2ـ وَقَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) أَنْسَكُ النَّاسِ نُسُكاً أَنْصَحُهُمْ جَيْباً وَأَسْلَمُهُمْ قَلْباً لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
3ـ وقال الامام الصادق (عَلَيهِ السَّلام): عَلَيْكَ بِالنُّصْحِ لله فِي خَلْقِهِ فَلَنْ تَلْقَاهُ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ مِنْهُ.
4ـ وقال (عَلَيهِ السَّلام): مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ.
5- وقَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) الْخَلْقُ عِيَالُ الله فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى الله مَنْ نَفَعَ عِيَالَ الله وَأَدْخَلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ سرورا.
6 - و قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه) مَنْ رَدَّ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَادِيَةَ [ مَاءٍ ] أَوْ نَارٍ أُوجِبَتْ لَهُ الجنة.
وهنالك نوع غريب من اللامبالاة يقع دون صدمة أو مرض أو عذر وهو (الادعاء الكاذب) لتحصيل المنفعة كما نشهده اليوم مع هذه الطبقات المتنفذة التي عمدت الى عدم الاكتراث وعدم الالتفات لنصح أحد او الاهتمام بشأن أحد لأن الاهتمام سيفقدهم تلك المكاسب المحرمة والامتيازات التي حصلوا عليها بطرق ملتوية فهم بذلك كمثل من ألقى بنفسه الى هذا الوباء بملء إرادته وهو يظن أنه يحسن صنعا.
ومن الأنماط الأخرى لها هو عدم اكتراث المرء بآخرته وبمصيره نتيجة لضعف اعتقاده أو سقوطه في هاوية الأفكار الشاذة والعقائد المنحرفة فتراه لايدخر جهدا في سبيل إفناء حياته في الملذات والشهوات والانحلال دون نظر الى دين أو عرف أو قانون.
اللامبالاة، نتيجة كارثية لعوامل متعددة تتصدرها المؤامرة، الحروب، الجهل، الفقر، والاستسلام في الجولة الأولى.