القاضي إياد محسن ضمد
حريٌ بك وأنت تودع عاما وتستقبل آخر أن تقوم بعملية مراجعة مفصلة لكل ما مر بك وما مررت به من زمن واحداث خلال سنة. حري بك ان تراجع كل ذلك على المستويين الشخصي والعملي ولانك وحين تعمل كقاض في بلد مثل العراق سيكون عملك شاقا ومضنيا ومثل هذا العمل القضائي لا يترك لك جانبا شخصيا مهما تحتاج لمراجعته بقدر ما يتركه لك في جانب العمل وحتى وان وجد لك جانبا شخصيا تود مراجعته فهو بقدر تعلقه بعملك القضائي ومدى تأثيره على أدائك ومهنيتك وقدرتك بان تظهر بما يليق بالقاضي ان يظهر به.
هنا يحدثني احد الزملاء القضاة ان العام 2017 كان الأقسى والأصعب من بين سنين عمله في القضاء يقول انه فقد اثنين من أفراد اسرته لوفاتهم وتعرض آخر لمرض اقعده عن الحركة... يتحدث بالم ويقول ان لكل حدث اجتماعي سيئ انعكاسه الموجع على المستوى الشخصي والذي يمكن ان ينسحب تأثيره على أدائك الوظيفي ويضيف -والحديث له- انني كنت احاول أن أبدو رابطا للجأش متماسكا في محيط عملي وان لا يظهر اثر لظروفي الشخصية على ما اتخذه من قرارات ورغم ان الموازنة بين سوء الظروف الاجتماعية وبين الاستقرار النفسي عند اداء العمل ليس بالأمر الهين لكنني نجحت في ذلك إلى حد معقول.
حديث الزميل يظهر اهمية الحالة النفسية للقضاة وتأثيرها على الصعيد المهني وضرورة ان تكون مثل هذه الحالة عند القاضي مستوية ومستقرة للقيام بمهام عمله، صحيح ان هناك ارتباطا وثيقا بين الحالتين النفسية والجسدية ذلك الارتباط الذي يصعب على الكثيرين فصله لكن على القاضي ان يكون من اولئك القلة القادرة على ضبط الانفعالات الشخصية ومنعها من ان تنعكس سلبا على عمله القضائي.
والامر يجب ان لا يقف عند حدود منع الظروف الشخصية من التأثير على العمل بل يتعداه الى عوامل مؤثرة اخرى يجب مراعاتها والحذر منها كمنع العادات الفكرية الراسخة في النفس من ان تكون سببا للحكم كذلك عدم وضع القاضي نفسه موضع المجنى عليه في حال سبق تعرضه لنفس الحادث المنظور من قبله ومن ثم الميل للشدة عند الحكم على المتهم كذلك منع الغضب والتوتر وعدم الاتزان من ان تكون عوامل مؤثرة في الحكم وباعتقادي كل ذلك يحتاج الى حالة من النضج النفسي للقاضي.
وشخصيا وانا على اعتاب مراجعة ما مر من ظروف واحداث خلال العام 2017 لاستثماره كتجربة ايجابية لاحقا اجد ان اكثر ما نحتاجه هو ان نصل الى حالة النضج النفسي التي ندرك معها ان لا عصمة في العمل واننا نخطئ ولا ادل على ذلك شيء اكثر مما يتم نقضه لنا من قرارات. والنضج النفسي يعني ان تكون صبورا وان لا تضجر من مراجعة خصم وان لا تشعر بزهو لإطراء وجه اليك هذا ما حدا بالنظم القانونية في بعض الدول ومنها فرنسا الى ان تلجأ في كثير من الاحيان لان لا تكتفي بعرض من يتقدم لتولي مهنة القضاء لاختبارات علمية فقط بل ذهبت كذلك لإخضاعه لاختبارات نفسية من قبل لجان مختصة للتعرف على خصائصه الشخصية ومن ثم اقصاء الاشخاص المتصلبين او العنيفين او غير المتوازنين والذين يكون لمزاجهم اثر كبير في قراراتهم ومنعهم من تولي مثل هذه المهنة المهمة والخطيرة على أرواح الناس وأموالهم.
أقرأ ايضاً
- الإقتصاد العراقي .. مأزق الحالة ، وإشكاليّة الحَلّ
- تحديد سن التقاعد للقضاة وأثره في بناء المؤسسات القضائية
- إعلان الحرب النفسية على المسؤول